• واليا من نوفمبر 1848 إلى يوليو 1854 ،  ولد سنة 1813 في جدة ونشأ في مصر ، خلف عمه إبراهيم باشا في تولي مصر 1848 هو حفيد محمد علي وابن أخ إبراهيم باشا في عهده اضمحل الجيش والبحرية في مصر وأغلقت كثير من المدارس والمعاهد ، عاش عيشة بذخ ، ولى عباس الحكم بعد وفاة عمه إبراهيم باشا، و في حياة محمد علي باشا، و هو ابن أحمد طوسون باشا بن محمد علي باشا، لم يرث عن جده مواهبه و عبقريته، و لم يشبه عمه إبراهيم في عظمته و بطولته ، بل كان قبل ولايته الحكم و بعد أن تولاه خلوا من المزايا و الصفات التي تجعل منه ملكا عظيما يضطلع بأعباء الحكم و يسلك البلاد سبيل التقدم و النهضة وانصرف عن التفرغ لشئون الدولة ظل في الحكم قرابة الخمس سنوات واغتيل في قصره في بنها في عام 1854 .

  •  

  • يمكن اعتبار عصر عباس باشا الاول عهد الرجعية ، ففيه وقفت حركة التقدم والنهضة التى ظهرت فى عهد محمد على .

  • ولى عباس حلمى الحكم بعد وفاة ابراهيم باشا ، وفى حياة محمد على باشا ، وهو ابن طوسون بن محمد على ، ولم يرث عن جده مواهبه وعبقريته ، ولم يشبه عمه ابراهيم فى عظمته وبطولته ، بل كان قبل ولايته الحكم وبعد ان تولاه خاليا من المزايا والصفات التى تجعل منه ملكا عظيما يضطلع بأعباء الحكم ويسلك بالبلاد سبيل التقدم والنهضه .

نشأة عباس  :

  • بذل محمد على شيئا من العناية فى تعويد عباس ولاية الحكم ، اذ انه كان اكبر افراد الاسرة العلوية سنا ، وبالتالى احقهم بولاية الحكم بعد ابراهيم باشا ، فعهد اليه بالمناصب الادارية والحربية ، فتقلد من المناصب الادارية منصب مدير الغربية ، ثم منصب الكتخدائية التى كانت بمنزلة راسة النظار ، ولم يكن فى ادارته مثالا للحاكم البار ، بل كان له من التصرفات ماينم عن القسوة ، وكان يبلغ جده نبأ بعض هذه التصرفات ، فينهاه عنها ، ويحذره من عواقبها ، ولكن طبيعته كانت تتغلب على نصائح جده واوامره .

  • واما من الوجهه الحربية فقد اشترك مع ابراهيم باشا فى الحرب السورية ، وقاد فيها احد الفيالق ، ولكنه لم يتميز فيها بعمل يدل على البطولة او الكفاءة الممتازه .

  • وبالجملة فلم تكن له ميزه تلفت النظر سوى انه حفيد رجل عظيم اسس ملكا كبيرا ، فصار اليه هذا الملك ، دون ان تؤول اليه مواهب مؤسس هذا الملك ، فكان شأنه شأن الوارث لتركه ضخمة جمعها مورثه بكفاءته وحسن تدبيره وتركها لمن هو خلو من المواهب والمزايا .

  • وكان ابراهيم باشا لايرضيه من عباس سوء سلوكة وميله الى القسوة وكثيرا مانقم عليه نزعته الى ارهاق الاهلين ، حتى اضطره الى الهجره للحجاز ، وبقى هناك الى ان داهم الموت عمه العظيم .

ولايته الحكم   :

  • كان عباس متغيبا بالحجاز لما عاجلت المنيه ابراهيم باشا ، فأستدعى الى مصر ليخلفه على دست الاحكام تنفيذا لنظام التوارث القديم الذى يجعل ولاية الحكم للارشد فالارشد من نسل محمد على ، وتولى الحكم فى 24 نوفمبر سنة 1848 ( 27 ذى الحجة سنة 1264 هـ ) .

اخلاقه   :

  • بقى عباس فى الحكم خمس سنوات ونصفا ، كان يبدو فى خلالها غريب الاطوار ، شاذا فى حياته ، كثير التطير ، فيه ميل الى القسوة ، سىء الظن بالناس ، ولهذا كان كثيرا مايأوى الى العزلة ، ويحتجب بين جدران قصوره ، وكان يتخير لبنائها الجهات الموغلة فى الصحراء او البعيده عن الانس ، فيما عدا سراى الخرنفش ، وسراى الحلمية بالقاهرة ، فقد بنى قصرا فخما فى بالعباسية ( التى سميت من ذلك الحين بأسمه ) ، وكانت اذ ذاك فى جوف الصحراء ، وقد شاهد المسيو فردينان دلسبس هذا القصر سنة 1855 ، فراعته ضخامته ، وذكر ان نوافذه بلغت 2000 نافذه ، وهذا وحده يعطينا فكرة عن عظم القصر واتساعه ، فكأنه بنى لنفسه مدينة فى الصحراء ، وبنى قصرا اخر نائيا فى الدار البيضاء ، الواقعه بالجبل على طريق السويس المقفر ، ولاتزال اثاره باقيه الى اليوم ، وقصرا بالعطف ( ذكره على باشا مبارك فى الخطط ج7 ص 63 ) وقصرا فى بنها على ضفاف النيل ، بعيدا عن المدينة ، وهو الذى قتل فيه بعد ذلك .

  • وقد اساء الظن بأفراد اسرته ، وبكثير من رجالات محمد على وابراهيم ، وخيل له الوهم انهم يأتمرون به ، فأساء معاملتهم ، وخشى الكثير منهم على حياته ، فرحل بعضهم الى الاستانه ، والبعض الى اوروبا خوفا من بطشه ، واشتد العداء بين الفريقين طول مدة حكمه ، وبلغ حقده على من يستهدفون لغضبه انه حاول قتل عمته الاميرة نازلى هانم ، واشتدت العداوه بينهما حتى هاجرت الى الاستانه خوفا من بطشه .

  • وسعى الى ان يغير نظام وراثة العرش ليجعل ابنه الهامى باشا خليفته فى الحكم ، بدلا من سعيد باشا ، ولكنه لم يفلح فى مسعاه ، ونقم على سعيد الذى كان بحكم سنه ولى العهد ، واتهمه بالتأمر عليه ، واشتدت يبنهما العداوه حتى اضطره ان يلزم الاسكندرية ، وهناك اقام بسراية ( بالقبارى ) .

  • وانتشرت الجاسوسية فى عهده انتشارا مخيفا ، فصار الرجل لايأمن على نفسه من صاحبه وصديقه ، ومن يغضب عليه ينفيه الى السودان ويصادر املاكه ، وكان نفى المغضوب عليهم الى اقاصى السودان من الامور المألوفه فى ذلك العصر .

  • وكان عباس مولعا بركوب الخيل والهجن ، يقطع بها المسافات البعيده فى الصحراء ، وله ولع شديد بأقتناء الجياد الكريمة ، يجلبها من مختلف البلاد ، ويعنى بتربيتها عنايه كبرى ، ويبنى لها الاصطبلات الضخمة ، وينفق عليها بسخاء ، شأن هواه الخيل .

اعماله  وسياسته العامة :

  • يختلف عهد عباس عن عصر محمد على ، فأن حركة النهضة والتقدم والنشاط التى امتاز بها هذا العصر قد تراجعت كما قلنا فى عصر عباس ، وهناك ظاهرة اخرى للفرق بين العهدين ، ذلك ان محمد على كان يستعين بذوى العلم والخبرة من الفرنسيين فى معظم مشاريع الاصلاح ، لكن عباس لكونه لم يفكر فى تعهد هذه الاصلاحات اقصى معظم هؤلاء الخبراء واستغنى عنهم ، وقد تضائل النفوذ الفرنسى فى عهده ، ولم يعد الى الظهور الا فى عهد سعيد باشا ، ومن هنا نعرف سببا لتحامل كثير من المؤرخين والمؤلفين الفرنسيين على عباس ، فأنه وان كانت اعماله لاتدعو الى الاطراء ، لكننا نعتقد ان احكام الفرنسيين عليه لاتخلو من التحامل ، لتأثرهم من تضاؤل النفوذ الفرنسى فى عهده ، والفرنسيون لما اتصفوا به من الوطنية يكرهون كل ملك او امير يقترن عهده بتضاؤل النفوذ الفرنسى فى بلاده ، من اجل ذلك نراهم يكيلون المدح جزافا لسعيد باشا ، ونعتقد ان هذا راجع الى ميوله الفرنسية وعودة النفوذ الفرنسى الى مصر فى عهده ، على يد المسيو فردينان دلسيبس وامثاله ممن اتخذهم سعيد بطانته واوليائه .

  • فعباس اذن قد اقصى عنه الخبراء من كبار رجال الموظفين الفرنسيين ، فلم يعد لهم نفوذ لديه ، بل لم يكن يعاملهم معاملة عطف واحترام ، واستغنى عن خدمة بعضهم .

  • وعلى العكس ، بدأ النفوذ الانجليزى فى عهده على يد المستر ( مرى ) القنصل البريطانى فى مصر وقتئذ ، فقد كان له عليه تأثير كبير ، وله عنده كلمة مسموعة .

  • ولايعرف السبب الحقيقى لهذه المنزله ، سوى انها نتيجة المصادفة ، فأن الملوك والامراء المستبدين ليس لهم قاعده مستقرة ، ولاتصدر اعمالهم عن برنامج او تفكير ، بل يتبعون الهوى فى كثير من اعمالهم ، وقد يكون لكفاءة المسترى مرى دخل فيما ناله عند عباس من النفوذ ، وقيل انه كان يستعين به فى السعى لدى حكومة الاستاته بوساطه سفير انجلترا لتغيير نظام وراثة العرش ، كى يؤول الى ابنه الهامى ، وفى رواية اخرى انه كان يستعين به وبالحكومة الانجليزية ليمنع تدخل حكومة الاستانه فى شئون مصر اذ كانت تبغى تطبيق القانون الاساسى المعروف بالتنظيمات على مصر .

السكة الحديدية بين الاسكندرية والقاهرة  :

  • ولقد فازت السياسة الانجليزية بضم عباس الى وجهة نظرها ، فتم على يده اصلاح طريق السويس ، ثم شرع فى مد السكة الحديدية من الاسكندرية الى القاهره سنة 1852 ، وعهد بتخطيط العمل الى المهندس الانجليزى الشهير بوبرت ستفنسن ، يعاونه مهندسون مصريون ، لكن المهندسين المصريين هم الذين تم على ايديهم انشاء الخط كما يقول المسيو مريو ، ومنهم صار لهم فيما بعد شأن كبير وتقلدوا كبرى المناصب ، مثل سلامة باشا ابراهيم ، وثاقب باشا ، ومظهر باشا ، وبهجت باشا ، واستخدم عباس فى تعبيد الطريق وتركيب القضبان الجنود والبحارة المصريين ، وانشىء من سكة الحديد فى عهده الخط الموصل بين الاسكندرية وكفر الزيات ( سنة 1854 ) ، وتم الخط بأكمله فى عهد سعيد ، ويئس المسيو فردينان دلسبس من نجاح مشروق شق القناه ، ولم يعاوده الامل الى بعد ان تولى سعيد باشا الحكم .

  • واذا نحن صرفنا النظر عن التراحم السياسى بين انجلترا وفرنسا ، فمما لاشك فيه ، من وجهة النظر المصرية ان مشروع السكة الحديدية بين الاسكندرية والقاهرة وبين القاهره والسويس انفع للبلاد ، وابعد عن الضرر من مشروع القناة ، فأن مصر لم تستفد كثيرا من فتح قناة السويس ، بل كانت القناه شؤما عليها ، ولان السكه الحديدية قد نهضت بعمران البلاد التى مرت بها ، بخلاف القناة .

  • فأصلاح طريق السويس ، والشروع فى مد السكة الحديدية بين الاسكندرية والقاهرة ، هما اول مافكر فيه عباس ، وهما من المشاريع الجليلة ، ولعل هذا العمل الوحيد الانشائى الذى يذكر لعباس ، لانه لايخفى ان السكك الحديدية هى من اعظم دعائم العمران والتقدم ، وكانت هذه السكة اول خط حديدى انشىء فى مصر ، بل فى الشرق قاطبة ، فمصر قد سبقت دول الشرق فى اعمال العمران ، ولايخفى ان تركيا وهى اقوى دول الشرق وقتئذ ، تأخرت عن مصر فى مد السكك الحديدية واستخدام القطارات البخارية ، وانك لتلمح تقدم مصر وسبقها تركيا فى ميادين العمران حينما زار السلطان عبد العزيز مصر سنة 1863 ، فأنه ركب القطار من الاسكندرية الى القاهره وقد تملكه العجب ، لانه لم يرى القطارات البخارية فى حياته من قبل .

ضبط الامن  :

  • عنى عباس بأستتباب الامن ، فضرب على ايدى الاشقياء وقطاع الطرق ، وطاردهم وعاملهم بقسوة ، فخشوا بأسه ، وانقطع دابرهم ، وامن الناس شرورهم ، فأستتب الامن فى عهده ، وهذا من خير اعماله .

المدارس والمصانع  :

  • اما المدارس فقد ساءت حالتها فى عهده ، فألغى معظمها ( بعد الذى عطل منها فى اواخر عهد محمد على ) ، واقفلت ابوابها بين عاليه وثانويه وابتدائيه ، ولم يبق منها الا النذر اليسير ، وكأنما كان عباس يكره العلم والتعليم ، فأنه لم يكتفى بأغلاق معظم المدارس ، بل انفذ الى السودان طائفة من كبار علماء مصر فى ذلك العهد ، مثال رفاعه بك رافع ، ومحمد بيومى افندى ، ودقلة افندى ، بحجة انشاء مدرسة ابتدائيه بالخرطوم ، والسبب الحقيقى هو ابعادهم ونفيهم عن مصر ، وقد ساءت حالتهم بعد ذلك ، ومات منهم هناك محمد بيومى كبير اساتذة الهندسة والرياضيات فى مدرسة المهندسخانة .

  • وانتقى من تلاميذ المدارس التى الغاها عددا منهم ادخلهم مدرسة انشأها سنة 1849 ، واسماها ( المفروزة ) اشارة الى انه افرز تلاميذها من بين طلبة المدارس ، وكانت هذه المدرسة بمثابة مدرسة تجهيزية حربية .

  • واقفل مابقى من المعامل والمدارس والمصانع التى انشأها جده بحجة الاقتصاد فى النفقات .

البعثات  :

  • ارسل الى اوروبا 19 طالبا من تلاميذ المدارس المصرية لأتمام دروسهم بالمدارس الاوروبية ، على انه استدعى معظم اعضاء البعثات الذين كانوا يتلقون العلم فى فرنسا منذ عهد محمد على .

السودان  :

  • لم يعن عباس بالسودان عناية جده به ، ولم يفكر يوما فى زيارة ذلك الاقليم العظيم الذى يعد الجزء المكمل لمصر ، ليشاهد بنفسه شئون البلاد واهلها ، ويتعرف احوالهم كما فعل محمد على الذى لم تمنعه شيخوخته ومشاغله العديده من ان يجوب السودان باحثا مستطلعا .

الجيش والبحرية  :

  • انفذ عباس بعض الاصلاحات الحربيه التى فكر فيها ابراهيم باشا قبل وفاته ، كتجديد الاستحكامات ، وانشاء الطرق الحربيه ، وفيما عدا ذلك فأن الجيش لم يكن موضع عنايته ، وقد تسرب الى ادارته الخلل وسوء النظام ، بعد ان كان مضرب الامثال فى النظام والكفاءه على عهد محمد على ، وذاد فى اضمحلاله انه ادمج فيه نحو ستة الاف من الارناءود ، جعلهم خاصة جنده ، وسلحهم بالمسدسات ، فكانت لهم فى عهده الصوله والسطوة ، وشمخوا بأنوفهم فى المصريين ، جنودا وافرادا ، وجرد عباس الاهلين من السلاح ، وحظر عليهم حمله ، فعاث الارناءود فى الارض فسادا ، بما اشتهر عنهم من الظلم والعسف والارهاق ، وبقى هؤلاء الاخلاط قوام الجيش فى عهده .

  • وظل سليمان باشا الفرنساوى القائد العام للجيش المصرى ، ولكن يده غلت عن النهوض به واصلاح شئونه .

  • وساءت حالة البحريه بعد ان كانت زاهره ، واخذت فى الاضمحلال ، ويرجع ذلك الى اهمال عباس اعمال العمران عامة ، ثم الى سبب خاص وهو كراهيته لعمه سعيد باشا ، ومعلوم ان سعيد كانت نشأته فى البحريه ، وكان عائدا عاما للاسطول فى عهد محمد على ، فلما تولى عباس الحكم فى حقد على البحريه جملة واحده ، لحقده على سعيد باشا ، فأهمل شأنها وتعطلت اعمال الترسانة ، ووقف اصلاح السفن ، فسرى اليها العطب والتلف .

مقتل عباس  :

  • اتفقت الروايات على ان عباس مات مقتولا فى قصره فى بنها ، وهذا امر مقطوع بصحته ، ولكن الخلاف فى رواية مقتله ، وليس عجيبا ان يختلف الرواه فى ذلك ، فأن مقتل عباس كان نتيجة مؤامرة من مؤامرات القصور ، وهذه المؤامرات لايسهل اكتساب حقيقتها ، او الاتفاق على روايتها لما يكتنفها من الاسرار ، ولانا تقع فى جنح الظلام ، بعيده عن الانظار ، فلا يعرف الناس عنها الا ماتتناقله الالسنه بعد وقوعها ، ومن هنا ينشأ الاختلاف فى الرواية ، ولدينا عن مقتل عباس روايتان احدهما ذكرها اسماعيل باشا سرهنك فى كتابه ( حقائق الاخبار عن دول البحار ج2 ص 265 ) والاخرى ذكرتها مدام اولمب ادوار كما سمعتها بمصر فى اوائل عهد اسماعيل ودونتها فى كتابها ( كشف الستار عن اسرار مصر ص 143 ) .

  • ويؤخذ من رواية اسماعيل باشا سرهنك ، ان عباس كانت له حاشية من المماليك يقربهم اليه ويصطفيهم ، ويتخذ منهم خواص خدمه ، وهم عنده من المنزله ماجعله يغدق عليهم بالرتب العسكرية العالية ، على غير كفاءة يستحقونها ، حتى حاز اكثرهم رتبة قائمقام وكان لهم كبير من خاصة غلمانه ، يسمى خليل درويش بك ، وعرف فيما بعد بحسين بك الصغير ، وقد اساء هذا الرئيس معاملة اولئك المماليك ، فأستطالوا عليه بالغمز واللمز ، وخاصة لانه كان صغير السن ، فأتخذوا من حداثته مغمز الاقاويل ، فسخط عليهم ، وشكاهم على مولاه ، فأمر بجلدهم ، فجلدوا ، وجردوا من ثيابهم العسكرية ، والبسهم خشن اللباس ، وارسلهم الى الاصطبلات لخدمة الخيل ، فعز ذلك على ( مصطفى باشا ) امين خزانة عباس ، لانهم كانوا من اتباعه المقربين اليه ، فسعى جهده لدى سيده ليعفو عنهم ، فلم ينل بادىء الامر بغيته ، فلما ذهب عباس باشا الى قصره فى بنها بصحبة احمد باشا يكن وابراهيم باشا الالفى محافظ العاصمة ، رجاهما مصطفى باشا ان يطلبا العفو عنهم ، فطلبا ذلك من عباس ، فأجاب ملتمسهما ، واصدر امرا بالعفو عنهم ، وردهم الى مناصبهم ، فجاءوا الى بنها ليرفعوا واجب الشكر للامير ، ولكنهم اضمروا الفتك بك انتقاما لما اوقع بهم ، فأئتمروا به مع غلامين من خدمة السراى ، يدعى احدهما عمر وصفى والاخر شاكر حسين ، واتفق الجميع على قتله ، وكان من عادة عباس عند ان نومه ان يقوم على حراسته غلامان من مماليكه ، ففى ليلة 18 شوال سنة 1270 ( 14 يوليه سنة 1854 ) كان الغلامان الذكوران يتوليان حراسته ، فجاء المؤتمرون فى غسق الليل على اتفاق معهما ، وفتحا لهم الباب ، فدخلوا الى غرفة الامير وهو نائم ، ولما ارادوا الفتك به استيقظ وحاول النجاة ، فصده عمر وصفى ، وتكاثر عليه المتأمرون وقتلوه ، ثم اوعزوا الى الغلامين بالهرب فهربا ، وكتم المتأمرون الخبر الى اليوم التالى ولما لم يستيقظ الامير فى موعده دخل عليه احمد باشا يكن وابراهيم باشا الالفى فوجداه مقتولا ، فذعرا لهذه الفاجعة ، واتفقا على اخفاء الخبر حتى نقل الامير القتيل الى القاهره فى عربة ووصلا الى قصره بالحلمية ، وهناك ذاع خبر قتله .

  • تلك خلاص رواية اسماعيل باشا سرهنك .

  • اما رواية مدام اولمب ادوار فخلاصتها ، ان الاميرة نازلى هانم عمة عباس هى التى ائتمرت به وهى فى الاستانه ، وانفذت مملوكين من اتباعها لقتله ، واتفقت واياهما على ان يعرضا انفسهما فى سوق الرقيق بالقاهره ، كى يشتريهما عباس ويدخلهما فى خدمته ، وكان المملوكان على جانب من الجمال ، مما يرغب وكيل الامير فى شرائهما ، فجاءا الى القاهره فعلا ونزلا الى سوق الرقيق ، الى راهما وكيل الامير ، فراقه جمالهما ، فأشتراهما وادخلهما سراى مولاه ببنها ، فأعجب بهما عباس ، وعهد اليهما بحراسته ليلا ، قالت مدام الومب ادوار ، فلما كانت الليلة الاولى لم يجروء المملوكان على ارتكاب القتل ، لانهما خشيا بأس عباس اذ كان قوى البنيه ، شديد البطش ، وخافا ان يقاومهما وينجو من فتكهما ، فينكل بهما اشد تنكيل ، ويوردهما موارد الهلاك المحتوم ، فأنقضت الليلة الاولى بسلام ، ومرت ايام عدة وهما يستجمعان قوتهما لانفاذ القتل عند سنوح الفرصه ، حتى جاءتهما النوبة ثانية لحراسة مولاهما ، فاعتزما ان يكونا اكثر شجاعة من قبل فلم يكد يستغرق عباس فى النوم حتى انقضا عليه وقتلاه ، ولم يدعا الوقت لصيح او يقاوم ، ولما ارتكبا الجريمة نزلا اصطبلات الخير الملحقة بالسراى ، وطلبا الى السائس ان يجهز لهما فورا جوادين بحجة ان الباشا يطلب حاجه له من قصره بالعباسية ، فلم يشك الخادم بالامر ، وجهز لهما الجوادين فسارا بهما عدوا الى القاهرة ، ومن هناك فرا الى الاستانة ، حيث نقدتهما الاميرة نازلى مكافأة سخية على انفاذ المؤامرة .

  • وتقول مدام اولمب ادوار ان الهامى باشا تعقب المملوكين القاتلين ليثأر لأبيه ، فألتقى بأحدهما فى الاستانه ، وقتله رميا برصاص مسدسه ، ولم يستطع اللحاق بالثانى ولم يعثر له على مكان ، وقيل انه اوى الى بلاد الارناءود فرارا من القتل .

  • فالروايتان مع اختلافهما فى بيان المحرضين على القتل وطريقة ارتكاب الجريمة متفقتان كما ترى فى ان عباس مات مقتولا اثر مؤامرة دبرت لقتله وانفذت فى قصره ببنها .

ميزة عباس  :

  • كان عهد عباس كما ترى خلوا من اعمال النهضة والعمران ، اللهم ماكان من انشاء سكة الحديد بين القاهره والاسكندرية ، واصلاح سكة السويس الحجرية .

  • على ان لعباس ميزة اخرى يجب ان يذكرها له التاريخ ، وهى انه لم يفتح على مصر ابواب التدخل الاجنبى ، فلم يمكن للاجانب فى البلاد ، ولم يمد يده الى الاستدانه منهم ، بل ترك خزانة مصر حره من اثقال الديون الاجنبية التى كبلها بها خلفاؤه من بعده ، وكان يجتهد دائما فى سد عجز الميزانيه ، دون ان يلجأ الى القروض ، ولم يكن يميل الى منح الاوروبين امتيازات بأستثمار مرافق البلاد ، فهذه ميزه يجب ان تذكر له بالخير ، ويمتاز من هذه الناحية على سعيد واسماعيل ، فخطأ سعيد باشا انه منح المسيو فردينان دلسبس امتياز حفر قناة السويس ، وافتتح عهد الاقتراض من الخارج ، وخطأ اسماعيل انه كبل مصر بالديون الجسيمة التى اقترضها من البيوت الاوربية .

زوجات عباس حلمى ومستولداته :

  • ماهوش قادين وقد رزق منها الأمير إبراهيم الهامي باشا 

  • شازدل قادين الجركسية وقد رزق منها الأمير مصطفى والأميرة حواء

  • هواية قادين وقد رزق منها الأمير محمد صديق والأميرة عائشة 

  • همدم قادين

  • برلانته هانم

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net