فؤاد سراج الدين .. اقوى من النسيان

 

قال : لا للملك والاحتلال وعبد الناصر والسادات ومبارك

انتباه .. فبعد كلمات قليلة ستكون في حضرة الباشا .. أقصد زعيم الوفد فؤاد سراج الدين .. والدخول في حضرة الرجل تحتاج لاستعداد مسبق ، لأنك ستقابل رجلاً فذًا ، قلما يجود الزمان بمثله ، رجل أشبه ما يكون بأبطال الأساطير ، فهو حالة متفردة بين السياسيين ، فلا يوجد سياسي مصري عاش تجربة سياسية وشخصية كالتي عاشها ، ولم يخض أحد معارك وانتصر فيها بعدد المعارك التي خاضها ، هل سمعت عن رجل قال ( لا )  للملك فاروق ، وقال ( لا )  للاحتلال الإنجليزي ، وقال ( لا ) لثوار يوليو مجتمعين ، ثم قال ( لا ) للرئيس عبدالناصر وللرئيس السادات ، وللرئيس مبارك ؟ .

فؤاد سراج الدين فعلها ، هل سمعت عن شاب صغير تولي 5 وزارات مختلفة ، فحقق فيها جميعا نجاحات مذهلة ، وانجازات غيرت وجه الحياة في مصر ؟ .

فؤاد سراج الدين فعلها ، وإذا كانت أحداث التاريخ تقول إن قليلا جدا من الرجال ، ممن ولدوا في نعيم العيش ، لم ينسهم رغد الحياة ، فضيلة الكفاح من أجل الوطن والحرية والديمقراطية ، فلقد كان فؤاد سراج الدين من بين هؤلاء ،وأيضا قليلون جدًا علي مدي التاريخ هم من لم يجرؤ أعدي أعدائهم علي أن يشككوا في أمانتهم ونزاهتهم ، ولقد كان فؤاد سراج الدين في مقدمة هؤلاء وقليلون جدا مارسوا السياسة بشرف وبنبل وبأخلاق الفرسان ، وكان فؤاد سراج الدين علي رأس هؤلاء .

لنبدأ من البداية ، والبداية كانت هناك ، في قرية صغيرة تسمي ( كفر الجرايدة ) بمركز( بيلا ) بمحافظة كفر الشيخ ، وفي مثل هذا اليوم منذ 100 عام بالتمام والكمال ، حيث رزق ( سراج الدين شاهين ) باشا زوجته وزكية هانم البدراوي كريمة( البدراوي ) باشا بمولود اختارا له اسم ( فؤاد ) وربما أراد باختيارهما هذا الاسم لمولودهما أن يقولا للدنيا كلها إن المولود الجديد هو قرة عينهما ، وفؤاد حياتهما ، ولكن القدر لم يجعل ( فؤاد سراج الدين شاهين ) فؤاد والديه فقط ، بل جعله فؤادًا لحزب الوفد ، ولملايين الوفديين ، ولا نتجاوز إذا قلنا أنه كان فؤاد مصر في لحظات حاسمة من فارقه في حياتها .

ولد فؤاد سراج الدين في2 نوفمبر 1910 ، وكانت مصر وقتها علي أعتاب واحدة من أعظم ثورات التاريخ الحديث ( ثورة 1919 ) ، التي اندلعت في طول البلاد وعرضها بسبب نفي زعيم الأمة سعد زغلول ورفاقه خارج مصر ، ووقتها هتفت مصر كلها لسعد زغلول ورفاقه ، من هنا ارتوي فؤاد سراج الدين ، بحب الوفد وزعيمه سعد زغلول ، ارتوي بهذا الحب وهو مازال في المهد صبيا ، ولأن زعيم الأمة سعد زغلول كان رجل قانون ، ولأنه كان مثلا أعلي لكل شباب مصر في مطلع القرن الماضي ، كان الالتحاق بكلية الحقوق حلما يراود نوابغ شباب مصر ، ولأنه كان من النوابغ حقق فؤاد سراج الدين حلمه والتحق بكلية الحقوق وتخرج منها عام 1930 ، وعمل وكيلا للنائب العام لسنوات قليلة وبعدها تفرغ لإدارة شئون أسرته ، وفي منتصف الثلاثينيات بدأت العلاقة الرسمية بين فؤاد سراج الدين وحزب الوفد حيث انضم للهيئة الوفدية عام1935 ، ولنبوغه وعبقريته حقق في سنوات قليلة ما يعجز الكثيرون عن تحقيقه طوال عمرهم كله ، إذ أصبح عضوا في الوفد المصري عام 1946 ،  ثم سكرتيرا عاما للوفد عام 1949 ، رجل الأرقام القياسية ، الأرقام القياسية هي أحد أبرز ملامح حياة فؤاد باشا سراج الدين ، فعلي مدي سنوات عمره حقق الرجل أرقاما قياسية ، مازالت مسجلة باسمه ، ومازالت عصية علي التكرار ، فهو أصغر نائب دخل البرلمان ، حيث صار عضوا بالبرلمان وعمره لم يتجاوز 26 عاما ، وهو أيضا أصغر الوزراء سنا إذ تولي وزارة الزراعة عام 1942 ولم يكن وقتها قد تجاوز 32 عاما فقط ، وهو أيضًا أصغر وزير داخلية في تاريخ مصر إذ صار وزيرًا لداخلية مصر عام 1942 ، وعمره 32 عامًا فقط ، كما أنه كان أصغر عضو بمجلس الشيوخ إذ أصبح عضوا فيه عام 1946 وعمره وقتها 36 عاما ، وتتواصل الأرقام القياسية في حياة فؤاد سراج الدين ، حينما تولي 5 وزارات مختلفة ، وهو أمر لم يتكرر أبدا ، وكانت أول وزارة يتولاها فؤاد سراج الدين هي وزارة الزراعة في 31 مارس 1942 ، وفي يوليو من ذات العام صار وزيرا للشئون الاجتماعية ، ووزيرا للداخلية ، وبعدها بسبع سنوات ( يوليو 1949 ) تولي وزارة المواصلات ، ثم تولي وزارة الداخلية مرة أخري في 12 يناير 1950 ، وفي نوفمبر من نفس العام تولي وزارة المالية اضافة إلي وزارة الداخلية ، كما تولي أيضا وزارة الصحة بالنيابة في أغسطس 1950 ووزارة المعارف بالنيابة خلال الفترة من نوفمبر 1950 حتي يناير 1952 ، وإذا كنا نسمع ونري ونقرأ عن وزراء ظلوا لسنوات طويلة علي كرسي الوزارة ثم يرحلون دون أن يتركوا بصمة ولا أثرا ، فإن الوزير فؤاد سراج الدين كان علي العكس تماما ، فلقد حقق خلال توليه المسئولية في الوزارات الخمس ، انجازات غيرت وجه الحياة في مصر ، فهو الذي أصدر قوانين العمال عام 1943 ،  وهو الذي أصدر قانون النقابات العمالية وقانون عقد العمل الفردي وقانون الضمان الاجتماعي وهو أيضا الذي أصدر قانون الكسب غير المشروع ، وهو الذي أصدر قانون تنظيم هيئات الشرطة ، وهو الذي اقترح فكرة مجانية التعليم التي طبقتها حكومة الوفد في الخمسينيات من القرن الماضي ، وهو الذي كان وراء إلغاء الوفد لمعاهدة 1936 وبدء الكفاح المسلح في منطقة القناة ضد الاحتلال الإنجليزي ، وهو الذي مول وساند الفدائيين في منطقة القناة في الفترة من 1951 حتي 25 يناير 1952 ، وهو الذي فرض ضرائب تصاعدية علي كبار ملاك الأراضي الزراعية عندما كان وزيرا للمالية عام 1950 ، وهو الذي أمم البنك الأهلي الإنجليزي وحوله إلي بنك مركزي ، وهو الذي أعاد أرصدة الذهب المصري من الولايات المتحدة الأمريكية إلي مصر ، ولأنه كان وطنيا هسورا ، ووفديا جسورا ، حقق رقما قياسيا لم يقربه أحد غيره( رقم قياسي في عدد مرات الاعتقال ) ، حيث تم اعتقاله 9 مرات ، أولها كان في عام 1944 حيث تم تحديد اقامته في مسقط رأسه بقرية كفر الجرايدة ، عقب إقالة حكومة الوفد التي كان يتولي فيها وزارة الزراعة ، وفي عام 1952 تم تحديد اقامته في بلبيس ، بناء علي رغبة الاحتلال البريطاني ، فبعد حريق القاهرة في يناير 1952 تم اقالة حكومة الوفد ، وجاءت وزارة علي ماهر ( 27 يناير حتي أول مارس 1952 ) ، وأبدي الاحتلال الإنجليزي ممثلا في السفير البريطاني بالقاهرة ، رغبته في اعتقال فؤاد سراج الدين ، ولكن علي ماهر استقال دون أن يحقق للاحتلال هذه الرغبة ، وعندما تولت وزارة نجيب الهلالي في مارس 1952 ، تم تحديد اقامة فؤاد سراج الدين في بلبيس تنفيذا لرغبة الاحتلال البريطاني وعقب ثورة يوليو 1952 اعتقل الثوار فؤاد سراج الدين بالسجن الحربي في 5 سبتمبر 1952 ، وافرجوا عنه في ديسمبر من نفس العام ، وبعد أيام قليلة عادوا لاعتقاله في يناير 1953 وقضي هذه المرة 8 أشهر بالسجن الحربي ، وبعد شهور قليلة حوكم أمام محكمة الثورة وصدر حكم بسجنه 15 عاما في مارس 1954 ، ولكنهم أفرجوا عنه بعد حوالي عامين ، وفي أكتوبر 1961 وبعد فشل الوحدة بين مصر وسوريا تم اعتقاله من جديد لمدة خمسة أشهر في سجن القناطر الخيرية ، واعتقل في يونيو 1967 ،  لمدة 24 ساعة قضاها في قسم شرطة مصر القديمة ، وفي سبتمبر 1981 وبينما كان عمره 71 عاما تم اعتقاله في سجن طرة بقرار من الرئيس السادات آنذاك .

رجل من ذهب ، رغم الشدائد والمحن التي خاضها فؤاد سراج الدين في حياته إلا أنه أبدا لم يحد عن حب الوطن ، ولم يغف لحظة عن المطالبة بالديمقراطية ولأنه رجل من ذهب ، لم تزده الصعاب إلا قوة ، ولهذا خرج من كل المحن أقوي مما كان بدليل أنه وهو علي أعتاب السبعينيات من عمره خاض معركة ضارية ، وفي ظروف عسيرة ، مع الرئيس السادات وكل أجهزة الدولة لكي يعيد بعث حزب الوفد الجديد في نهاية السبعينيات من القرن الماضي ، وبكل المقاييس لم تكن المعركة متكافئة ، ولم يكن طرفاها متقاربي العدة والعتاد ، فأحد طرفي المعركة كان يضم رئيس الدولة وكل المسئولين الرسميين وكل أجهزة الدولة ، أما الطرف الآخر فلم يكن به سوي رجل اشتعل رأسه شيبا يسانده عدد من الوفديين المخلصين ، وكانت نتيجة المعركة علي عكس مقدمتها حيث انتصر فؤاد سراج الدين وصحبه ، علي رئيس الجمهورية وحكومته واتباعهم وعلي أجهزة الدولة الرسمية وعاد الوفد الجديد للحياة ، وكان طبيعيا علي رجل تلك هي حياته ، أن يكون وداعه مهيبا ، ولهذا عندما حانت ساعة الرحيل وآن للفارس أن يرحل ، خرج ملايين المصريين يودعونه وهم يهتفون ( الوداع .. يا زعيم .. يا حبيب الملايين ) ، رددت مصر كلها هذا الهتاف يوم 9 أغسطس عام 2000 حينما رحل عن دنيانا زعيم الوفد فؤاد باشا سراج الدين .

 

فؤاد باشا سراج الدين والكاتب الصحفى مصطفى امين

مصطفى النحاس ونائبه فؤاد باشا سراج الدين

 

 

 

 

 

 

مع اضافة الصور والفيديو

تاريخ العدد : 17/11/2010

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net