وزراء مصر فى سجون ثورة يوليو

بعد نجاح حركة الجيش في 23 يوليو 1952 تمت محاكمة كل رموز الفساد في العهد الملكي , ممن تآمروا على البلاد أو تعاونوا مع الإنجليز .

وقد قام المصور الصحفي "سمير الغزولي" بإمداد شبكة الإعلام العربية بمجموعة جديدة من الصور عن أشهر محاكمات ثورة 1952 ، وقال أن أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق لم يكن أول رئيس وزراء يقف خلف القضبان , فقد سبقه إلى ذلك إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء في الفترة ما بين 28 ديسمبر 1948 إلى 25 يوليو 1949 ، حيث اتهمته الثورة بعدة تهم , أبرزها التخطيط لاغتيال الأستاذ حسن البنا .  

سمير الغزولى

 

ولكي نفهم ملابسات تلك المحكمة لابد أن نعود قليلا إلى الوراء وتحديدا مع بدايات القرن العشرين وبدء موسم الاغتيالات السياسية في مصر التي افتتحت عهدها الدامي مع قيام إبراهيم الورداني بقتل رئيس الوزراء بطرس غالي في 20 فبراير 1910 .

 

مقتل بطرس غالى - صورة تخيلية

 

يقول الغزولي : الورداني قتل غالي لأنه اعتبره خائنا للوطن ، فقد كان متحمسا لطلب السلطات البريطانية بمد امتياز قناة السويس أربعين عاما إضافية من عام 1968 إلى 2008 ،  في الوقت الذي كان الرأي العام يقف ضد تلك الفكرة ، كما كان غالي رئيس محكمة دنشواي وصادق علي أحكام الإعدام والسجن للفلاحين المتهمين ، فكانت هاتان النقطتان بمثابة دوافع قوية لاغتياله .

وانفتحت شهية الاغتيالات السياسية في مصر بعد تلك الحادثة .. فيقول الغزولي : تعرض السلطان حسين كامل ( 1914- 1917 ) لستة محاولات اغتيال .

وفي عام 1924 تم اغتيال "السير لي ستاك" سردار الجيش المصري وحاكم السودان ، كان في سيارته مارا بشارع سليمان باشا ، وعندما توقف في إحدى اشارات المرور نزل مجموعة من شباب المقاومة من الترام وأطلقوا عليه النار , فسقط قتيلا .

انتهزت بريطانيا الفرصة وطالبت حكومة سعد زغلول بسحب الجيش المصري من السودان ودفع مليون جنيه تعويض , فرفض سعد , وقدم استقالته .

وتعرض زغلول نفسه لمحاولة اغتيال في محطة مصر من شخص قالوا عليه أنه مجنون ، وتعرض خليفته في حزب الوفد النحاس باشا لعدة محاولات اغتيال أشهرها تفجير سيارة مفخخة أمام منزله .

 

سعد باشا زغلول

 

وشهدت الأربعينات من القرن الماضي تزايدا في الاغتيالات , فقد تم اغتيال أمين عثمان وزير المالية في حكومة الوفد وكان من بين قاتليه أنور السادات  ، وفي عام 1945 اهتزت البلاد مع مقتل أحمد ماهر رئيس الوزراء .

في أوائل 1945 كانت الحرب العالمية الثانية تلفظ أنفاسها الأخيرة , بعدما استطاعت قوات الحلفاء إجبار هتلر على التقوقع داخل حدود بلاده ، حينها تلقي أحمد ماهر نبأ بأن الدول الكبرى تعتزم إنشاء منظمة جديدة بديلا عن منظمة "عصبة الأمم" التي فشلت في الحيلولة دون قيام الحرب على أن تكون المنظمة الجديدة وقفا على الدول التي تعلن الحرب على المحور .

كان إعلان الحرب شكليا لن يكلف المعلنون طلقة رصاص واحدة لأن الحرب انتهت بالفعل ورأى ماهر أن إعلان الحرب على المحور وخاصة اليابان لن يكلف مصر أيه تضحيات .

وبالفعل وافقت الحكومة وألقي ماهر بيانه في مجلس النواب , وبينما هو في طريقه إلى مجلس الشيوخ فاجأه في البهو الفرعوني شاب اسمه محمود العيسوي أطلق عليه الرصاص فأرداه قتيلا .  

 

صورة تخيلية لأعتيال احمد باشا ماهر

 

الكاتب الإسلامي خالد محمد خالد في كتابه " قصتي مع الحياة " يتهم " التنظيم السري " التابع لجماعة الأخوان المسلمين بقتل ماهر ، ويبرر ذلك بأن المرشد كان قد ترشح في انتخابات 1945 وحصل على نصيب كبير من الأصوات  بيد أنه أعيدت الانتخابات بينه وبين منافسه , فنجح منافسه بطريقة لم يشك الأخوان معها في تزوير الانتخابات لصالح المنافس وأسرها النظام الخاص في نفسه ، حتى كان من كان من اتهام أحمد ماهر بتوريط مصر في الحرب .

ويؤكد خالد أن أحد أصدقائه في التنظيم أسر له بأن التنظيم هو الذي اغتال رئيس الوزراء ، بعد مقتل أحمد ماهر شهدت مصر مقتل القاضي أحمد الخازندار رئيس محكمة جنايات القاهرة الذي قتل لأنه حكم بالإدانة في بعض جرائم الإخوان المسلمين .

وشهدت مصر حالة من عمليات الإرهاب والترويع في دور السينما , وأقسام البوليس , الشركات والبيوت , وعلى رأسها شركة الإعلانات الشرقية , ومحاولة نسف دار الحكمة بباب الخلق .

هنالك رأي النقراشي باشا رئيس الوزراء وزير الداخلية ضرورة حل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أملاكها وأموالها ، ورأى المراقبون أنه دفع حياته ثمنا لهذا القرار إذ أطلق " عبد المجيد أحمد حسن " الطالب بالطب البيطري عدة رصاصات أودت بحياته .

تولي الحكم بعد النقراشي إبراهيم عبد الهادي الذي لقبه الإخوان " بالعسكري الأسود " إذ شن حربا على الجماعة , واعتقل العديد منهم .

 

 

وبعد شهرين من مقتل النقراشي دعي الأستاذ البنا إلى لقاء في جمعية الشبان المسلمين في محاولة للصلح مع الحكومة وعند باب الجمعية انهال عليه الرصاص وتأخرت عملية الإسعاف للمرشد ففاضت روحه الكريمة لبارئها في مستشفي القصر العيني .

وهكذا قتل التنظيم السري النقراشي باشا وتبعه الأستاذ حسن البنا وخسرت مصر الرجلين .

مع نجاح حركة الجيش في يوليو 1952 صدرت أحكام بالعفو عن المحكوم عليهما في قضية  قتل الخازندار والمحكوم عليهم في مقتل النقراشي لكن شهر العسل لم يدم طويلا بين الثورة والإخوان .

 

محكمة الثورة

 

تشكلت المحكمة في أوائل سبتمبر 1953 من عبد اللطيف البغدادي رئيسا , وحسن إبراهيم وأنور السادات أعضاء ، لمحاكمة كل رموز الفساد من النظام الملكي وكل من تعاون من الإنجليز أو تأمر على الثورة ، وكان غريبا أن تكون المحكمة هي الخصم والحكم في نفس الوقت .

ومن أشهر محاكماتها محاكمة الدكتور أحمد النقيب .

يقول سمير الغزولي : النقيب هو الذي أنشأ مستشفي المواساة بالإسكندرية والذي في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي كان يعتبر واحدا من أفضل ‏10‏ مستشفيات علي مستوي العالم .

وكان النقيب من المقربين للملك فاروق ومن الشخصيات المرموقة في مصر ، فكان من زواره الملك عبد العزيز ملك الحجاز , وشاه إيران .

حتى أن الناس كانت تتعجب من سعه علاقاته , لدرجة أن المصريين أطلقوا مثل " يا بخت من كان النقيب خاله " .

ولما طلق الملك فاروق الملكة ناريمان بعد الثورة , تزوجها من بعده الدكتور أدهم أحمد النقيب .
أما التهمة التي حاكمته بها محكمة الثورة فكانت أنه أقام بيتا مخلا بالآداب العامة في مستشفي المواساة ، متهمين إياه بجلب ممرضات لفاروق من فرنسا وإيطاليا يقضي معهن ليال حمراء .

وحكمت محكمة الثورة على النقيب بالأشغال الشاقة المؤبدة , ومات في سجنه .

 

النقيب مع اطباء وممرضات مستشفى المواساه

 

ينفي المصور الغزولي تلك التهم عن النقيب , فيقول : الصور الفوتوغرافية التي تظهر فيها ممرضات المستشفي تؤكد أنهن لم يكن بالجمال الفائق الذي يجذب فاروق ، لهذا أعتقد أن محاكمات الثورة غلب عليها التسرع .

ومن محاكمات الثورة أيضا الحكم على كريم ثابت المستشار الصحفي للملك فاروق , وكانت قائمة التهم التي وجهت له طويلة ما بين الاتصال بجهات أجنبية للإضرار بمصلحة البلاد , والقيام بأعمال أفسدت الحياة السياسية .

 

كريم ثابت - المستشار الصحفى للملك فاروق

 

كما حكمت الثورة أيضا بالسجن على انطوان بولي الصديق الشخصي للملك فاروق ، وبولي كان كهربائي في قصر عابدين ويتولي إصلاح القطارات الكهربائية لفاروق وهو طفل فلما توفي " فؤاد " وطد فاروق علاقاته مع بولي فكان تلك الصداقة سببا في خراب مصر كما يعتبر البعض ، حيث كان الأخير يتوسط في كل شئ مخل يقوم به فاروق .

وعند خروجه من مصر , طلب فاروق أن يصطحب معه صديقه الإيطالي , لكن الجيش رفض , وتمت محاكمة بولي , وهذه صورة له وهو يرتدي ملابسه الداخلية بالسجن

 

انطوان بوللى صديق الملك فى السجن سنة 1952

 

أما أشهر المحاكمات فكانت محاكمة إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر في الفترة ما بين 28 ديسمبر 1948 وحتى 25 يوليو 1949 ، وكانت التهم الموجهة له هي الزج بجيش مصر في معركة فلسطين قبل أن يتخذ الجيش أهبته , وإشاعة حكم الإرهاب أثناء رئاسته للوزراء , وأنه هيأ لأعوانه الأسباب التي يسرت لهم اغتيال الإمام حسن البنا .

وحكمت عليه محكمة الثورة بالإعدام , ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد , ومصادرة كل ما زاد من أمواله وممتلكاته عما ورثه شرعا , وأفرج عنه صحيا في فبراير  من عام 1954 .

ولتخفيف الحكم عليه قصة يرويها محمد نجيب في كتابه كنت رئيسا لمصر : " لم تكن هذه المحكمة - محكمة الثورة - سوي أسوأ دعاية للثورة  ،  فقد أشاعت الكراهية لنا بعد إعادة اعتقال بعض الزعماء والسياسيين الذين سبق الإفراج عنهم ، حتى انني نجحت في إلغائها بعد ذلك .

وخلال الفترة بين 26 سبتمبر 1953 و 30 يونيو 1954 , نظرت المحكمة في 31 قضية , وحكمت على 4 أشخاص بالخيانة العظمي والإعدام , ونفذ فيهم الحكم فعلا ، وكان خامسهم إبراهيم عبد الهادي الذي حكم عليه بالإعدام أيضا , لكنني رفضت التصديق على الحكم ، وساعتها قلت لأعضاء المجلس " إني أفضل أن يلتف حبل المشنقة حول عنقي دون أن أصدق على هذا الحكم " .

انطوان بوللى صديق الملك فى السجن سنة 1952

 

ازمة جمال عبد الناصر ومحمد نجيب

 

لم تكد تلك الأزمة تنتهي حتى ظهرت أزمة جديدة ، فقد قدم جمال عبد الناصر بصفته وزيرا للداخلية كشفا بأسماء بعض الزعماء السياسيين , الذين رأي أنهم خطر على النظام , ورأي من الضروري اعتقالهم , وكان من بينهم مصطفي النحاس الذي طلب تحديد إقامته ، ورفض نجيب ، وبالفعل تم رفع اسم النحاس من الكشف ، ليفاجأ نجيب فيما بعد أنهم أعادوه بغير علمه .

إزاء ما يحدث قدم محمد نجيب استقالته في فبراير 1954 وقبلها كان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين في 15 يناير  1954 .

بعد تقديم الاستقالة اندلعت المظاهرات في مصر والسودان تطالب بعودة نجيب ، وبعد الضغط الشعبي استجاب عبد الناصر خشية وقوع صدام داخلي بالجيش .

وفي صباح 28 فبراير خرجت مظاهرات فرحة بعودة نجيب ، ورددت هتافات معادية لمجلس الثورة فوقعت اشتباكات مع رجال الأمن والبوليس الحربي الذي أطلق الرصاص ، وسقط قتلى ومصابون كان بينهم عدد من جماعة الإخوان ، ولم يصرف الجماهير الغاضبة غير كلمات عبدالقادر عودة أثناء خطبة نجيب للجماهير .

ويرى البعض أن مجلس الثورة تخلص من نجيب بعد تلك الواقعة ، وجاءت أزمة مارس  1954، وتخلصوا من الإخوان بعد حادثة ميدان المنشية بالإسكندرية واتهامهم بمحاولة اغتيال عبد الناصر ، وقد أعدمت الثورة عبد القادر عودة و 6 من رفاقه ، وفي عام 1965 التهمت الثورة رأس " سيد قطب " 1965 ومن معه , وما بين الوجبتين أصلت الأخوان سعيرا .  

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net