صحافة ماقبل ثورة يوليو وصحافتنا الان

 
عبد المنعم عجيمى

تمتعت الصحافة بحرية مطلقة قبل ثورة يوليو ، فكان الصحفي يستطيع أن يتهم أكبر رأس في الدولة ولو كان الملك بالفساد أو بالتقصير في حق شعبه ، دون أن يتعرض لسوء أو يعذب في المعتقلات أو يتم نفيه ، وهناك عشرات من الصحفيين أمسكوا أقلامهم وكتبوا مقالات صريحة شنوا فيها هجوماً عنيفاً علي السلطة كما فعل ( إحسان عبدالقدوس ) في سلسلة تحقيقاته عن الأسلحة الفاسدة أو كما فعل ( أحمد حسين ) في مقاله الذي يحمل هجوماً قاسياً ضد الملك فاروق بعنوان ( رعاياك يا مولاي ) أو مثلما فعل ( عباس العقاد ) عندما قال ( إن الأمة علي استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه ) أو في مقاله المعنون ( الوزارة تعبث بالمصريين وهي آلة في يد المستعمرين ) وغير ذلك من أمثلة كثيرة .

لقد اثار ( إحسان عبدالقدوس ) قضية وجود أسلحة فاسدة استخدمها الجيش المصري في حرب فلسطين 1948 ، وشكك في نزاهة القصر الملكي وبعض كبار المسئولين متهماً إياهم بالإثراء من وراء صفقات الأسلحة والذخائر ، وبرر هزيمة الجيش المصري عام 1948  بفساد هذه الأسلحة ، واستمر إحسان ينشر مقالاته ابتداء من 16 مايو 1950 مما ساعد علي شحن الرأي العام واستجواب الحكومة ، وعلي الرغم من استدعاء النائب العام لإحسان عبدالقدوس والتحقيق معه لمدة ثلاثة أيام ، فإن الحكومة لم تستطع قصف قلمه أو التعرض له بالضرب أو التعذيب ، بل تم إيداعه في سجن الأجانب حتي ينتهي التحقيق معه ، وعندما منعته إدارة السجن من قراءة الصحف وقامت بإطفاء الأنوار في زنزانته ليلاً ، قامت الدنيا ولم تقعد ، حتي سمح له بقراءة الصحف وإضاءة أنوار زنزانته ، ونفس هذا الصحفي عندما دخل السجن الحربي بعد قيام ثورة يوليو لاختلافه في الرأي مع قادة الثورة وضع في زنزانة انفرادية عام 1954 وحرم من أبسط متطلباته المعيشية ، وتم تعذيبه عذاباً نفسياً وجسدياً ظل يعاني منه طوال حياته .

أما عن الصحفي ( أحمد حسين ) ، زعيم حزب مصر الفتاة ، فقد كتب مقالاً تاريخياً بعنوان ( رعاياك يا مولاي ) تضمن هجوماً عنيفاً علي القصر الملكي والملك فاروق بصفة خاصة ، ونشر مع المقال صوراً لأطفال ينامون علي الرصيف بملابسهم الممزقة ، وأقدامهم الحافية ، والفقر والحرمان يحوطهم من كل جانب ، وقرأ الناس المقال وتحدثوا عما تتعرض له البلاد من فقر وفاقه بينما يعيش الملك في بذخ ونعيم ، ومع ذلك فإن كل ما فعلته الحكومة هو مصادرة هذا العدد من ( صحيفة الاشتراكية ) دون أن يتعرض ( أحمد حسين ) للتعذيب أو أن تقوم الحكومة بقصف قلمه ، وبالنسبة للأستاذ ( العقاد ) الذي اتهمته النيابة بالعيب في الذات الملكية وحكم عليه بالسجن لمدة تسعة أشهر ، فإنه لم يتعرض للتعذيب ، بل قضي فترة سجنه في دراسة اللغة الفرنسية حتي أتقنها .

وإلي جانب ذلك فهناك ( مصطفي أمين ) الذي هاجم الحكومة قبل الثورة عشرات المرات وقبض عليه ودخل السجن ، ولكن الزنزانة التي دخلها كانت مهيأة لإقامة كاتب كبير مثله ، ولم تستطع الحكومة التي هاجمها ( مصطفي أمين ) أن تقوم بالإساءة إليه أو تعذيبه لأنها تحترم القانون الذي يمنع التعذيب أو التنكيل أو الاضطهاد ، ونفس ( مصطفي أمين ) عندما دخل السجن بعد قيام الثورة حدث له ما تقشعر منه الأبدان فعلّق من قدميه وعذب ، ومزق جسده بالكرابيج للاعتراف بوقائع لم تحدث وبجرائم لم ترتكب .

أما الآن ونحن في عصر اتسعت فيه حرية الصحافة بشكل غير مسبوق ، وقيل إن هناك وعداً من ( الرئيس مبارك ) بعدم حبس الصحفيين وإلي جانب ذلك فيحمد للرئيس مبارك موقفه تجاه قضية الصحفي الشهير( إبراهيم عيسي ) الذي حكمت المحكمة بسجنه لكتابته عن صحة الرئيس وتنازل الرئيس عن حقه في القضية حتي لا يكون بينه وبين أحد من أبناء وطنه أي خلاف بسبب الكتابة في الصحف ، ونأمل أن يكون ذلك مثلاً يحتذي من جانب المسئولين ، كما نأمل أن يحذو ( الدكتور بطرس غالي ) ، وزير المالية ، حذو ( الرئيس مبارك ) في القضية التي رفعها ضد الأستاذ ( وائل الإبراشي ) ، رئيس تحرير جريدة ( صوت الأمة ) ، وأحد الكتاب البارزين في المجال الصحفي والتليفزيوني حتي نرتقي بحرية الرأي والكلمة ، ويكتب كل صاحب رأي ما يكتبه من مقالات صريحة دون خوف أو تردد ، وحتي يضرب كبار المسئولين المثل والقدوة قبل أني يحاسبهم التاريخ حساباً عسيراً والتاريخ لا يرحم أحداً .

 

 

تاريخ العدد : 15/11/2010

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net