كاتب امريكى يؤكد وطنية الملك فاروق وعمالة رجالة الثورة

بقلم : رانيا صالح

 

ملخص الكتاب :

 

تحمل ثورة يوليو 52 قدراً كبيراً من الأهمية لما لها من دور في تغيير الخريطة السياسية لمصر وللشرق الأوسط بعد أن وضعت نهاية لـ 148عاماً حافلة لحكم سلالة محمد علي ، وقد أصدر الكاتب الأمريكي وليم ستاديام عن دار " باركواي بابلشينج" كتاب "غنية جدا" أو " TOO RICH" ويقصد حياة الملك فاروق وأيام رحيله العصيبة عن الحكم ، ومؤلف الكتاب صاحب أشهر كتب سير المشاهير من أمثال مارلين مونرو ومستر إس وتميزت مؤلفاته بأنها الأكثر مبيعاً في العالم .

الكتاب ينحاز لصف الملك فاروق ويرى مؤلفه أن حياته كانت ثرية بالعديد من التحديات ، ومن أهمها تعرضه لضغوط كبيرة من قبل الإمبريالية البريطانية ، وذلك يعود برأيه لتطلع الملك لتحقيق حلم مصر في الإستقلال الحي ، كما يؤكد تعرضه لضغوط من قبل الهيمنة الأمريكية نتيجة تصديه لمحاولات تدخلها في حكمه .

يذكر المؤلف أن فاروق شهد في الفترة التي سبقت الثورة إضطرابات عديدة سواء على المستوى الشخصي أو الإقليمي ، فقد أجهدته تصرفات والدته الملكة نازلي ( الغير متزنة )  ، والتي يتهمها المؤلف بإقامة علاقات غرامية مشبوهة وصلت لذروتها عندما تزوجت أخت فاروق الصغرى فتحية من رياض غالي الدبلوماسي القبطي بتحريض من أمها ، ثم ذهاب السيدتان للعيش معه في بيفرلي هيلز بعد تحولهما إلى الكاثوليكية .

ثم يتابع المؤلف بأن كل ذلك جعل فاروق يشعر بالخزي والفضيحة فطرد السيدتين من حياته وأصدر قراراً بحرمانهما من دخول مصر ومصادرة جميع أراضيهما وممتلكاتهما .

كما مر على فاروق فترة عصيبة أخرى عندما كان يرتب لإجراءات طلاق شقيقته الكبرى الأقرب إلى قلبه فوزية من شاه إيران وترتيب رجوعها إلى مصر .

وعلى الصعيد الداخلي ، كانت هناك مظاهرات الطلاب المتأثرين بالشيوعية الذين أحرقوا القاهرة في السبت الأسود الموافق 26 يناير من عام 1952 ، كما كان هناك العديد من القادة السياسيين المشتبهين في تورطهم في قضايا فساد ، وأخيراً كان هناك الضباط الأحرار ، الخلية الصغيرة ( الراديكالية ) التي تكونت داخل الجيش المصري بقيادة جمال عبد الناصر وأنور السادات ، الذين يصفهم المؤلف بأنهم قرروا جعل فاروق كبش فداء لهزيمتهم في حرب 1948 .

ويرى المؤلف أيضا أن فاروق لم يعتقد ولو لوهلة بأن ثمة خطر ما على عرشه ، فالمظاهرات التي تشهدها البلاد ليست موجهة ضده ، إنما ضد البريطانيين الذين سبق وأن وعدوا بمغادرة مصر منذ عام 1882 ، عندما دخلوها لتحقيق ( إستقرار ) إقتصاد البلاد بعد أن تسبب في إفلاسها جده الأكبر الخديوي إسماعيل ، الذي بنى قناة السويس وحول القاهرة والأسكندرية إلى تحفتين أوروبيتين حديثتين .

كما أن مفهوم الملكية في مصر كان راسخاً منذ الفراعنة الذين ألهوا الحاكم بصرف النظر عن شعبيته ، ومع أن هذا المفهوم قد تلاشى مع حكم المسلمين مصر في القرن السابع الميلادي إلا أن تمجيد الملك وتقديم فروض الطاعة والولاء له قد بقي .

ومع سخونة الأحداث الجارية حينها فر فاروق إلى الإسكندرية مصطحباً معه أسرته وحكومته الرسمية برئاسة صديقه رجل الدولة والصناعة المليونير حسين سري لقضاء فترة الصيف .

 

عدو عدوي :

 يرى المؤلف أن الضباط الأحرار كانوا يعملون على غرار المثل العربي : ( عدو عدوي صديقي ) ، ففي خلال الحرب العالمية الثانية قدم الضباط الأحرار ولاءهم للألمان الذين رأوا فيهم خلاصهم من الإنجليز ، وسجنت بريطانيا السادات لمدة تقرب من ثلاث سنوات لإكتشافها دوره كوكيل سري للنازية ، وبعد الحرب وهزيمة الألمان تحول عدو عدو ناصر والسادات من ألمانيا إلى روسيا التي يراها فاروق أنها ألد أعدائه وأنها وراء تمويل جماعة الإخوان المسلمين والملهم الرئيسي لأحداث السبت الأسود .

وطرح الضباط الأحرار رجلهم اللواء ( محمد نجيب ) ليقف ضد رجل الملك اللواء سري عامر في انتخابات رئيس نادي ضباط القاهرة لعام 1952 ، ووزعوا أثناء الحملة منشورات تقول ( الجيش يقول لا لفاروق ) ، بغرض تقليب الجيش والشعب على القصر ، وبعد فوز نجيب وصل الضباط الأحرار إلى قناعة بأن فاروق لابد وسيقوم بإغتيالهم جميعاً وبالتالي عليهم أن ( يتغدوا به قبل أن يتعشى هو بهم ) .

ويبدو أن القوى العظمى قد تحالفت هي الأخرى ضد فاروق ، فقد ساءت علاقة فاروق بالسفير البريطاني السير مايلز لامبسون الذي كان يستشيط غضباً عندما يسخر منه فاروق ويناديه بالعربية ( جاموس باشا ) ، والذي وصل حنقه أن ناقش مع لندن إمكانية عزل ( الصبي ) في وقت مبكر من عام 1940 .

وفي فبراير من عام 1942 ، لم يشأ السفير البريطاني أن يترك أي شيء للصدفة خاصة في ذروة مظاهرات الطلبة المؤيدة للألمان وأراد التأكد من أن رئيس الوزراء الذي سيتم تعيينه من إختياره هو وليس من إختيار فاروق ، وعندما ماطل فاروق في تعيين مصطفى النحاس ، الرجل الذي اختاره لامبسون والزعيم ذو الشعبية لحزب الوفد ، لم يكن منه إلا أن أحاط قصر عابدين بالدبابات البريطانية التي اقتحمت القصر وقدمت لفاروق صك التنازل عن العرش ، هنا فقط عرف فاروق كيف تكون بريطانيا وهي تكشر عن أنيابها .

 

روزفلت والاحرار :

الكتاب يبرز كيف كانت علاقة فاروق سيئة هي الأخرى بالأمريكان ، فعندما عاد كيرميت روزفلت إلى القاهرة في وقت مبكر من عام 1952 كرجل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ، كان لديه أجندة خاصة تتمثل في إعداد الشرق الأوسط لإستقبال ( الديموقراطية الأمريكية ) والتأكد من أن أنابيب النفط التي تغذي الاقتصاد الأمريكي لن تجف ، وقد أصاب روزفلت السخط الشديد واليأس من فاروق الذي كان كثيرا ما يتعمد تنفيذ عكس ما يملى عليه من أمريكا .

ومن هنا بدأت - بحسب المؤلف - اللقاءات السرية بين روزفلت وعدد من رجال عبد الناصر والسادات ، الذين أحبهم وظن أن أمريكا تستطيع السيطرة عليهم ، وبحسب مؤلف الكتاب فإن روزفيلت عبر عن ارتياحه بأن إسرائيل تأتي في مرتبة منخفضة في قائمة الكراهية لدى ناصر والسادات بعكس فاروق ، قائلا ( أن روزفلت وعد الضباط الأحرار بعدم تدخل أمريكا لإنقاذ الملك ، مما عد بمثابة خطوة مهمة أضافت قدراً من الشرعية إلى حركتهم ! ) .

ثم يشير الكتاب إلى أن فاروق لم يكن مغيباً تماماً عما يخطط ضده ولكنه أساء تقدير حجمه ، ففي 20 يوليو ، تلقى فاروق تحذيراً من حسين سري عن المكائد التي يعدها الضباط الأحرار ضده ومن إحتمال وقوع إنقلاب ، ولكنه تجاهل التحذير ، وفي صباح اليوم التالي قام بتعيين العقيد إسماعيل شيرين (30  عاماً ) وزيراً للحربية والذي ليس لديه أي سجل خدمة مميز بإستثناء أنه الزوج الثاني لأخته فوزية .

وصل خبر تعيين شيرين لناصر في 22 يوليو والذي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير ، ورأى ناصر بأن الوقت قد حان لثورتهم وإلا فلن تكون هناك ثورة أبداً ، أعدت الخطة النهائية للهجوم والتي تضمنت الإستيلاء على مقر قيادة القوات العامة المسلحة بالقاهرة في ساعة الصفر ( الواحدة من صباح اليوم التالي ) والقبض على فاروق الذي يبعد عنهم 125 ميلاً في الإسكندرية .

ذهب ناصر مباشرة بعد الإجتماع لمنزل السادات لإبلاغه بتطورات الموقف وطبيعة مهمته ، فوجده قد اصطحب زوجته وإبنته إلى السينما ، الغريب أن ناصر قد ذهب لمنزل ضابط آخر فوجده هو الآخر قد ذهب للسينما ! ، ومع حلول الساعة السابعة ، كان مخطط الإنقلاب قد وصل لفاروق ، وفي الساعة الحادية عشرة عقد إجتماع لكبار ضباط الجيش في مقر القيادة لوضع خطة للتصدي للإنقلاب .

وبعد ساعة نجح ناصر ومعه آخرون مدججين بالأسلحة في احتلال المقر والسيطرة على الجيش المصري ، ومع الواحدة والنصف من صباح يوم 24 يوليو كانت القاهرة لناصر ورجاله .

 

التخلى عن الملك :

في تمام الساعة الرابعة والنصف ، وصل الخبر فاروق الذي اتصل بكل من السفير البريطاني لامبسون والسفير الأمريكي جيفرسون كافيري متساءلاً عما إذا كانوا سينقذوه ، كان واضحاً بأن الأمريكان قد أخذوا قرارهم بعدم التحرك لإنقاذه ، أما بريطانيا وبعد مباحثات عدة مع الرئيس الأمريكي ترومان قررت أن تأخذ هي الأخرى حذو أمريكا ( كما هو معتاد ) ، وإلتقى القائم بالأعمال البريطاني مع نجيب ليطلعه على الخبر السار وهو أن إنجلترا لن تتدخل في مسار الانقلاب ، ولم يبق للضباط الأحرار إلا سن سكاكينهم والحصول على الملك .

رضخ فاروق لأولى طلبات الضباط الأحرار وهي تعيين علي ماهر رئيساً للوزراء ، وقبل فجر 25 يوليو ، تحرك فاروق بعائلته الصغيرة إلى قصر رأس التين ليحتمي هناك تحت حراسة سفن حربية تابعة للبحرية المصرية التي مازالت موالية له وليتحصن بقوة أكثر من 800 من الحرس ( أغلبهم من السودانيين الذين يحبون فاروق ) .

وصلت بالفعل كتيبة مدرعة للقبض على فاروق صباح ذلك اليوم وتم تبادل لإطلاق النار التي شارك فيها فاروق نفسه والذي عرف عنه مهارته في الصيد ، وفى قلب المعركة ، رأي فاروق بأن القوتين غير متكافئتين وأن سير المعركة على هذا النحو لا يعني سوى الإنتحار ، ولذلك قام فاروق بإتصال أخير بكافيري يطلب منه هذه المرة ليس إنقاذ ملك مصر وعرش مصر بل إنقاذ فاروق الإنسان وأسرته ، هنا فقط إستجاب كافيري وأمر بوقف إطلاق النار .

في صباح اليوم التالي ، 26 يوليو ، عرض علي ماهر على فاروق إنذاراً صاغه السادات ووقع عليه نجيب ، وفيه مطالبة فاروق بالتنازل عن العرش لولي العهد إبنه أحمد فؤاد وترك البلاد في نفس هذا اليوم قبل السادسة مساءا ، وافق فاروق بالتنازل عن العرش بشروط وهي أن يأخذ معه صديقه الإيطالي أنطونيو بولي ، والسماح له بالإبحار على يخت المحروسة والإحتفاظ به والسماح له بأن يأخذ معه مجموعة الطوابع والعملات التي كان يهوي جمعها ، كما أن الأراضي التي تخصه وتخص شقيقاته في مصر لا يتم تأميمها بل تدار نيابة عنهم .

أبلغ على ماهر ناصر بشروط فاروق التي رفضها كلها ما عدا شرط واحد وهو ضمان عدم قتل الملك حتى مغادرته على المحروسة وفي تحيته21 طلقة بندقية .

في حوالي الثانية عشرة والنصف ، وصل ممثلين لمحكمة العدل العليا مع صك التنازل ليوقع عليه فاروق الذي غالبته دموعه .

يصف الكتاب كيف ارتدى فاروق بزة البحرية الخاصة به عرفاناً منه على ولاء البحرية له واختارت بناته من زوجته الأولى الملكة فريدة مرافقته هو وناريمان وإبنهما في منفاه .

وفي حوالي الساعة السادسة ، بل إن المؤلف يقول بتقبيل محمد نجيب لدى وصوله يد الملك المخلوع ! .

غادر فاروق وهو في حالة ذهول.. كيف يمكن أن تخونه إنجلترا ؟ ، بل الأسوأ من ذلك ، كيف يمكن لأمريكا ؟ ، ولما لا فهو يعيد نفس السيناريو الذي تم منذ ثلاثة أرباع القرن عندما أجبرت بريطانيا وفرنسا جده الأكبر الخديو إسماعيل على التنازل عن عرشه لإبنه توفيق والرحيل إلى منفاه في نابولي على نفس اليخت ... المحروسة .  

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net