قصر الامير تحول الى مقهى وصالة افراح

 
تحقيق كتبه : منتصر جابر :  

 

قصر الامير يوسف كمال بنجع حمادى

 

 الرئيس مبارك استفسر خلال زيارته لمدينة الأقصر ، يوم الخميس الماضي ، من الدكتور سمير فرج ، رئيس المجلس الأعلي لمدينة الأقصر ، عن قصر الأمير يوسف كمال ، وطالب بعدم بيعه والحفاظ عليه كأثر تاريخي ، فرد سمير فرج قائلاًَ : إن القصر سيتحول والمنطقة المجاورة له ، إلي منطقة مطاعم ذات طراز تاريخي وعالمي!! وقصر الأمير يوسف كمال يوجد في مدينة نجح حمادي ، ولا يوجد قصر آخر للأمير في محافظة قنا ـ علي حد علمي ـ حيث إن خبر جولة الرئيس لم يحدد مكانه وتم الاكتفاء بأنه في المنطقة القريبة وبالتالي لا أعرف عن أي منطقة تلك التي قال عنها رئيس المجلس الأعلي إنها ستتحول إلي منطقة مطاعم ذات طراز تاريخي.. فإنني من نجع حمادي وكتبت أكثر من مرة في تقارير صحفية ومقالات بـ »الوفد« عن هذا القصر ، الذي تحول إلي خرابة ، وأعرف موقع القصر علي النيل في نجع حمادي .. وهي منطقة بائسة يائسة من أية إصلاح رغم وجود اكبر مجمع للألومنيوم بها في العالم وأقدم مصنع للسكر .. ولا اعرف كيف ستصبح منطقة مطاعم ذات طراز تاريخي عالمي ، والمدينة تعوم علي بركة من المجاري ، حيث إن مشروع الصرف الصحي بها متوقف منذ سنوات !!.. ولذلك أطالب الدكتور سمير فرج بأن يطلع الرئيس ويطلعنا بالتفصيل عن تطوير هذه المنطقة ، فالذي رأيته منذ نحو شهر أن القصر وحدائقه تحول إلي مقهي وقاعة أفراح !! ورغم ذلك أتمني أن يكون الكلام صحيحا ، لان أقصي ما يحلم به أهالي نجع حمادي أن يتحول القصر إلي متحف ومزار سياحي ، بدلاً من تركه للبوم والغربان التي تسكن فيه الآن ، بعد أن استولت خفافيش الليل عام 1952 علي مقتنيات وتحف القصر التي لا يعرف أحد حتي الآن من سرقها ونهبها ، وفي أي فيلات أو قصور قابعة ؟! وحكاية قصر الأمير يوسف كمال في نجع حمادي قد لا تختلف كثيرا عن مآسي القصور التاريخية العديدة المنتشرة في كل أنحاء مصر ، ولكن يبقي الاختلاف في أصحابها ، والأدوار والخدمات التي قدموها .

 ولهذا أهيب بالرئيس مبارك أن ينقذ هذا القصر ، كما أنقذ من قبل قصر الأمير أيضا في الإسكندرية وأمر بتحويله إلي متحف حربي .. لأن استفسار الرئيس الذكي عن قصر نجع حمادي ، يكشف ماجري له وما يجري الآن من مؤامرات حوله ، حتي ينهار ويتم الاستيلاء علي الأرض المقام عليها ، وهذا يتطلب تدخله شخصياً ، فقد وصل التدهور بالقصر إلي مستوي يدعو للحزن والبكاء علي هذا الأثر التاريخي وعلي صاحبه الأمير يوسف كمال الذي كان صاحب أياد بيضاء علي الثقافة والتعليم والفنون في مصر ، فان الأمير ـ لمن لا يعرف ـ انشأ بماله الخاص مدرسة الفنون الجميلة سنة 1908م في ( درب الجماميز )بالقاهرة ، التي أصبحت الآن كلية بالزمالك تتبع جامعة حلوان ، وقام الأمير بتخصيص مساحة قدرها 127 فداناً من الأراضي الزراعية بالمنيا كوقف خيري للمدرسة ، وأوقف عليها أيضاً عدة عقارات بمدينة الإسكندرية ، لتدريس وتعليم مائة وخمسين تلميذاً ، كما جعل ريعها مخصصاً لإرسال بعثات علمية من 150 طالباً ليتعلموا الفنون الجميلة في جامعات فرنسا وإيطاليا وكان المثّال محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر الشهير ، وتمثالي الزعيم ( سعد زغلول )  بالقاهرة والإسكندرية ، أول تلميذ التحق بالمدرسة عند إنشائها ، وقد تخرج منها عام 1911 وسافر إلي فرنسا أيضا علي نفقة الأمير يوسف كمال ليستكمل دراسته وأصبح هو أول 170 طالباً التحقوا بالمدرسة أصحاب شأن كبير في إثراء الثقافة المصرية .

فهل هذا يكون جزاء رجل اهتم بتطوير التعليم مثل اهتمامه وعنايته بالفنون الجميلة وباقتناء النفائس النادرة ، فعندما تم إنشاء الجامعة المصرية ساهم بسخاء في تشييدها حيث وهب 125 فداناً في القليوبية ومبلغاً كبيراً لاستصلاح تلك الأراضي، كما انتخب عضواً بمجلس إدارة الجامعة عام 1912 ، ثم اختير رئيساً للجامعة عام 1916 .

وفي تلك الفترة من رئاسته للجامعة أرسل بعض طلبتها إلي الخارج للدراسة علي نفقته ، وبعد أن ترك رئاسة الجامعة ونظراً لظروف الحرب العالمية الأولي والضيق الاقتصادي في مصر واجهت الجامعة مشاكل مالية وكان الأمير يوسف كمال أول المتبرعين لاستكمال مسيرتها .

تنازل عن العرش والأمير يوسف كمال واحد من أبناء الأسرة المالكة في مصر، فهو ابن عم الملك فؤاد وكان من أبرز الأسماء المرشحة لاعتلاء عرش مصر ( 1917 ) عندما توفي السلطان حسين كامل شقيق الأمير فؤاد في 9 أكتوبر 1917، وذلك بعد تنازل الأمير كمال الدين حسين ، ابن السلطان حسين كامل ، عن ولاية العهد ورفضه وراثة العرش ، ورغم أن السلطان حسين أوصي بأن يكون خليفته علي العرش ابنه الأمير كمال الدين أو أخوه الأمير أحمد فؤاد أو ابن عمه الأمير يوسف كمال إلا أن الإنجليز نصبوا البرنس فؤاد علي عرش السلطنة المصرية ، وكان الأمير يوسف كمال أصلا عازفا عن المهام الرسمية ، ويحب العمل الاجتماعي ، وأسهم في تنمية عدد كبير من القري المصرية في صعيد مصر ، ويذكر له إدخال بعض التقنيات الزراعية الحديثة في منطقة نجع حمادي وقام ببناء المستشفيات والمدارس ومن أشهرها المدرسة التي كانت معروفة باسم ( مدرسة البرنس ) وكانت نموذجا لما يجب أن تكون عليه المدارس ، حيث تضم حجرات للدراسية واسعة وكبيرة، ومعامل للعلوم وقاعات للرسم والتدريبات الزراعية ، وملاعب لكل أنواع الرياضات ومسرح وغرفة موسيقي ، واشتهر يوسف كمال بحبه للفنون الجميلة ، وشغفه بشراء اللوحات الفنية ، وكان يجوب العالم من أجل شراء القطع النادرة في الفن الإسلامي والفن الآسيوي ، وكان يهدي المتاحف الملكية كثيرا من المجموعات التي يقتنيها ، بالإضافة إلي اهتمامه بالدراسات الجغرافية وكانت له أبحاث كثيرة فيها ، كما له العديد من الكتب والمؤلفات حول رحلاته في معظم دول العالم ، وبعد ثورة 1952 أعاد إلي مصر معظم ممتلكاته ، التي كانت في الخارج ، رغم انه كان قد غادر مصر بعد الثورة وأقام في أوروبا حتي توفي في مدينة أستروبل بالنمسا سنة 1969م .

 قصر نجع حمادي ، أشهر قصوره كان للأمير يوسف كمال 3 قصور معروفة ، واحد في حلمية الزيتون ، والآخر في الإسكندرية وثالثهما قصر نجع حمادي والذي يعتبر أشهر قصوره ، حيث كان الأمير يمتلك في نجع حمادي 18ألف فدان ، وقد أقام له قصرا علي الضفة الغربية للنيل بنجع حمادي علي مساحة تقدر بحوالي 4 أفدنة ليقيم فيه مدة تتراوح مابين شهر و3 شهور في السنة وخصوصا في الشتاء ، والقصر يتكون من دورين وله ملاحق أو قصور صغيرة من دور واحد ، وهي من طرز معمارية إسلامية وأوروبية فريدة .

 ويرجع تاريخ إنشاء القصر إلي ما قبل عام 1952 تقريبا حيث لا يوجد تاريخ محدد لبناء القصر تحديدا سوي ذلك التاريخ الموقع علي الخريطة المساحية المنفذة ، وقد أنشأ الأمير يوسف كمال هذه المجموعة من القصور داخل أسوار سجلت جميعها آثاراً بقرارات وزارية وتحتوي المجموعة علي : ( قصر الحرملك) ، وهو مخصص لإقامة والدة الأمير وبعض الأميرات وهو عبارة عن دورين ، كل دور به مجموعة من الغرف ومطبخ وحمام ودور مسحور وبدروم وسطح ، وأهم ما في القصر الأسانسير الخشبي الذي احضره الأمير خصيصا لوالدته التي كانت مريضة بالقلب ، والقصر منفذ بطريقة العمارة الإسلامية مع مزجها بالنمط الأوروبي في بعض واجهات القصر ، والمفترض أن القصر يحتوي علي مجموعة من التحف المنقولة الخاصة بالأمير يوسف كمال ، وتحتوي المجموعة علي ( قصرالسلاملك ) ، وهو مكون من 3 قاعات للاجتماعات وواجهة خارجية ، ويشتمل القصر علي العديد من الأساليب الفنية الخاصة بالعصرين المملوكي والعثماني ، وتحتوي مجموعة قصور الأمير يوسف كمال علي قاعة الطعام ومطبخ مربع الشكل مكون من طابقين وله ملحق في الجهة الشمالية وتحتوي المجموعة علي فسقية وتقع في الجنوب من قصر السلاملك وهي من الرخام الملون بألوان زرقاء وبرتقالية ذات مسقط مربع من الخارج يتوسطها حوض مثمن، وتحتوي مجموعة القصور علي( السبيل )  وهو يتوسط الضلع الجنوبي لأسوار المجموعة ، ويوجد بهذه الجهة مبني خاص للموظفين في الدائرة وآخر للموظفين ، وكانت حديقة القصر مخططة علي احدث نظم تخطيط الحدائق وتضم الكثير من الأشجار والنخيل والنباتات النادرة ، أما الآن فقد تمت تسوية كل ذلك بالأرض واستولت هيئة الإصلاح الزراعي علي معظم منشآت القصر ، وحولت جزءاً من الحديقة إلي مقهي ، وأقامت في الجزء الآخر مبني قبيحاً بالأسمنت والحديد المسلح ليكون قاعة أفراح !! .

 وكان الاتحاد الاشتراكي ومن بعده حزب مصر ثم الحزب الوطني قد استولوا علي أحد القصور ليكون مقرا للمجلس المحلي للمدينة ، كما تضم حديقة القصر من الجهة الغربية ضريحاً لأحد الشيوخ المعروفين في ذلك الوقت وهو الشيخ عمران، ويتردد أن هذا الضريح بني للشيخ بأمر من والدة الأمير يوسف كمال ، فقد رأت حلما للشيخ وهو ينقذ ابنها من أسد في الصحراء كاد يقتله وقد كان الأمير يقوم خارجا في رحلة صيد بصحراء نجع حمادي ، وعندما عاد من رحلته روي لوالدته أن أسدا كاد يفتك به لولا رجلا ظهر فجأة وأنقذه من الموت فقامت ببناء ضريح للشيخ داخل أسوار القصر ! .

بداية المأساة في 8 نوفمبر 1952 صدر قرار بمصادرة أموال أسرة محمد علي وكان وقتها الأمير يوسف كمال في لبنان ، وفي هذا التاريخ أيضا اختفت بعض التحف الثمينة من القصر !! ، وجاءت لجنة جرد من القاهرة ، حررت كشفا بالتحف والأثاث والمقتنيات الموجودة بالقصر وملحقاته وقدرت لها أثمانا تافهة ، لم يكن من بين هذه اللجنة خبير واحد ، وسلمت هذه التحف بكشف جرد إلي ناظر الدائرة واسمه( زكريا علي مرعي ) ، وعادت اللجنة إلي القاهرة ، وبعد فترة تم بيع بعض مقتنيات القصر ، ثم حفظت بعض التحف والسجاجيد العجمي في بدروم القصر وختمت بالشمع الأحمر ، ومضت أعوام ولم تبع هذه التحف بالمزاد العلني كما حدث في قصر عابدين .

 

تقديرات اللجنة في ذلك الوقت :  

 

قامت لجنة الجرد بتقدير ثمن كل تحف ومقتنيات القصر ، وكانت بالطبع مثيرة للسخرية فقد حددت قيمة التحف الموجودة بالقصر بـ682جنيها و52 قرشا و قيمة الأثاث كله 2100جنيه تقريبا ، ويبدو إنها وضعت خصيصا لبيعها لأشخاص بعينهم بهذا الثمن البخس فمثلا قدرت اللجنة ثمن سرير خشبي أثري مكون من 13 قطعة بجنيهين ونصف ، وزهريتين من الخزف كلاً منهما علي هيئة زير ارتفاعها متر بـ 40 جنيها ، والذي اشتراها عرض عليه فندق ونتربالاس بالأقصر 1000 جنيه ورفض ، وزهريتين من القيشاني مزركشتان ثمنهما  12جنيها ، وزهريتين مستديرتين طويلتين ارتفاع كل منهما 60 سنتيمترا ثمنها 10جنيهات ،وزهريتين من النحاس الاصلي ثمنهما 2 جنيه ، و38 طبقا من الخزف ثمنها 33 جنيها ، ودورقين من البلور من الخارج ثمنها 600 مليم ، وكأس شمبانيا ثمنه 200 مليم ، وفازتين صغيرتين ثمنهما 8 جنيهات ، و13 كأس جيلاتي ثمنها جنيهان و60 قرشاً ، و3 أطباق صغيرة من الخزف ثمنها 3 جنيهات ، وصينيتين من النحاس المنقوش بالآيات القرآنية ثمنها جنيه و30 قرشاً ، وزجاجتين للزيت بغطاء ثمنهما 200 مليم ، و4 كئوس صغيرة 400 مليم ، و12كأسا ثمنها 200 مليم .

 وقد تم تسجيل كل محتويات ومقتنيات القصر من تحف وأثاث في حوالي 15 كشفا ، ولا يعرف أحد أين اختفت بقية تحف القصر حتي الآن ولا أين ذهب السجاد العجمي الثمين ، بعد بيع جزء منها بعد الثورة ، فبعد فترة اختفي الشمع الأحمر من علي أبواب الغرف التي تم تخزين أثاث وتحف القصر فيها ، وذلك بعد أن وضعوا السجاد النادر في بدروم القصر رغم انه كان من المعروف أن منسوب المياه يرتفع أيام فيضان النيل ويغطي الأدوار السفلي للقصر ورغم ذلك تم تخزين السجاد والتحف فيها ، ويبدو أن ذلك كان عن عمد حتي تختفي معالم السرقة والنهب ! .

 

 قصور أخري :  

 

كان الأمير يوسف كمال يمتلك قصرا كبيرا في حلمية الزيتون بالقاهرة ، وقد اطلق علي المنطقة اسم الحلمية نسبة للخديوي عباس حلمي الثاني وكانت في الأصل منطقة حدائق مثمرة مجاورة لمنطقة صحراوية ، وقد تم بناء عدد من القصور والسرايات لعديد من أمراء الأسرة العلوية ، مثل قصر الأمير يوسف كمال ، والأمير وحيدالدين وغيرهما ، وتبعهم العديد من الوجهاء في تشييد القصور والفيلات ، وكان يوجد بها فيلا محمد فريد أبوحديد المفكر الإسلامي وفيلا الشيخ عبدالعزيز البشري وفيلا الشيخ محمد عبده ، وكانت به مزرعة كبيره لتربية النعام بالقرب من قصر الأمير يوسف كمال وقد استولت عليه وزارة الزراعة وجعلته مقرا للمعهد القومي لبحوث الصحراء ، وحولته فعلا إلي صحراء ، حيث سوت كل حدائق القصر بالأرض وزرعت مكانها معامل وصوبات ومباني خراسانية ، ومكانا لبيع الأسماك ، وأيضا مزارع لبيع الدجاج ، واختفت النباتات النادرة والتحف الأثرية والصور الزيتية والمؤلفات والمصنفات التي كانت تمتلئ بها مكتبة الأمير وهي ما يزيد علي 5 آلاف مجلد في العلوم التاريخية والجغرافية وهي كتب مجلدات فريدة لا تقدر بثمن ، بالإضافة إلي المجموعة الكمالية في جغرافية مصر والقارة الإفريقية وهي مجموعة كتبت باللغة الفرنسية ، وكذلك مجموعة كبيرة من آثار رودس القديمة ورؤوس الغزلان والضواري ، التي اصطادها الأمير الرحالة وعدد كبير من التحف القديمة..

 وكان الأمير يوسف كمال يمتلك قصرا في الإسكندرية ، وقد أنقذه الرئيس مبارك أيضا منذ سنوات عندما أمر بتحويله إلي متحف بحري بالإسكندرية لإبراز تاريخ البحرية المصرية عبر العصور من خلال مقتنيات أصلية ونماذج ومجسمات ورسوم تخطيطية للسفن والمراكب والقلاه ، وبعض ما يتعلق بالحياة البحرية ودور البحار في الحضارة المصرية القديمة والمعارك البحرية الشهيرة ، وتضم حديقة المتحف تمثالا ضخما من الجرانيت الوردي للإله إيزيس يرجع للعصر الروماني ، وهو أضخم تمثال معروف لهذه الإله وكان قد تم انتشاله من تحت الماء عند قلعة قايتباي بالإسكندرية .

 

 

تاريخ العدد: 13/10/2010 

 

 

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net