اثار الاسرة العلوية فى زيزينيا

 

انقضت مرحلة الأسرة العلوية في مصر (1805 - 1952) ، لكن آثارها باقية ، من قصور الى مجوهرات وحليّ ومزارات ، فالأسرة العلوية حكمت مصر طويلاً، وكان معظم نبلائها وأمرائها يعشقون الفنون الشرقية والغربية على السواء ، ويحرصون على جمع مقتنيات نادرة من التحف والحلي على وجه التحديد من مختلف بلدان العالم .

قصور الأسرة العلوية ذاتها تعدّ من المقتنيات النادرة للمصريين ، فهي ثروة معمارية زخرفية لم تجتمع في عصر واحد اللهم الا في العصور المملوكية ، من هذه الكنوز النادرة اجتمعت لدى المصريين ثروة من المقتنيات التي لا مثيل لها ، وهاهي يلتئم شملها أخيرا في " متحف المجوهرات الملكية " ، الذي يقع في واحد من أرقى أحياء الأرستقراطية في الإسكندرية ، هو حي "زيزينيا" .. الذي ليس فقط بأمراء ونبلاء من الأسرة العلوية وانما كان زاخرا كذلك بجاليات أجنبية إيطالية ويونانية وفرنسية حتى منتصف القرن العشرين ، في "زيزينيا" التي سبق لأسامة أنور عكاشة السيناريست المصري الأشهر أن صنع عنها واحدة من درره الدرامية حاملة اسمها ، وجسّد فيها ملامح الاسكندرية الثقافية أيام الحرب العالمية الثانية - قصر منيف من قصور الأسرة العلوية للأميرة فاطمة الزهراء ، وحديقة غناء تحيطه من جوانبه الاربعة ، عند أحد أطرافها تماثيل برونزية للملائكة المجنحة ، ثم تقودك سلالمه الرخامية لتنعزل عن الدنيا بما فيها داخل قصر لا يقل اثارة للخيال عن قصور الف ليلة وليلة .

ملامح اسطورية:

تكاد مفردات وملامح قصر الاميرة فاطمة الزهراء المقر الحالي لمتحف المجوهرات الملكية - أن تخرج من عالم الواقع لتدلف بمتأملها الى دنيا الأسطورة ، والجمال الخالص من الشوائب .

القصر المتحف يعد في حقيقته متحفاً لفنون العمارة الاوروبية ، وديكوراته تمثل نموذجاً فذاً لمبادئ مدرسة مايكل أنجلو ذات الالوان الهادئة .

الى ذلك فإن المتحف يضم بين جنباته لوحات فنية تتصدر جدرانه ، تجسد عشرة أبواب من الزجاج الملون والزجاج المعشق ، وعليها رسومات بديعة لمشاهد تاريخية وقصصية أوروبية حالمة ، توحي بأن صاحبة القصر كانت ذات ذائقة رومانتيكية من طراز رفيع ، فثمة روميو وجولييت على هذه اللوحات ، ورسومات أخرى تحكي قصة زواج صاحبة القصر نفسها التي كان لديها حرص باد على تزيين نوافذ قصرها بلوحات فنية من زجاج ملون فريد الطراز وغطت الأرضيات بأنواع نادرة من الأخشاب التي لا يستخدمها المصريون عادة حتى الأثرياء منهم ، لتعطي الأرضيات مع الجدران بيئة جمالية شديدة التجانس والتفرد .

 

 

وللقصر المتحف جناحان ، فأما الشرقي منهما فيتألف من قاعتين وبهو يتصدره تمثال لطفل من البرونز عليه لوحة فنية من زجاج ملون معشق بالرصاص ومزين بصورة طبيعية وأما الغربي فيتألف من طابقين الأول به أربعة أبهاء والثاني به أربع قاعات وثلاثة حمامات كسيت جدرانها بالقاشاني المزخرف ويربط بين جناحي القصر ممر عريض من أروع مكونات هذا القصر .

كنوز مخفية :

 

 

متحف المجوهرات الملكية الذي تم ترميمه وتطويره بوساطة المجلس الأعلى للآثار المصرية ، كانت الكنوز التي بداخله مخفية عن العيون الا عن المتخصصين ، فالمتحف ذاته لم يكن ضمن اهتمامات العامة من الناس .

اليوم بات متاحاً لهؤلاء أن ينعموا برؤية هذه المحتويات التي تعد من أفخم كنوز الشرق على الاطلاق .

مجوهرات اسرة محمد علي باشا في هذا المتحف الذي يعد في حد ذاته تحفة فنية وجوهرة خالصة المعاني بلغ عددها 11 ألفاً وخمسمئة قطعة أثرية وفنية ، تتشعب في مجموعات ، فثمة مجموعة الأمير محمد علي توفيق التي تضم فناجين من البلاتين والذهب وتضم كذلك 2753 فصاً من الماس والبرلنت والفلمنك وكيس نقود من الذهب المرصع بالماس ، فضلاً عن ساعات جيب لسلاطين بني عثمان ، المينا الخاصة بها عليها رسم جامع من الذهب الخالص ، وست كؤوس من الذهب المرصع بـ977 فصاً من الماس .

أما مجموعة سعيد باشا ( والي مصر من أسرة محمد علي بين سنتي 1854 و1863 والمعروف بصديق الفلاح كونه أنصف الفلاحين في عهده وأحبوه كثيرا ) ففيها نجد مجموعة من الوشاحات والساعات الذهبية فضلا عن أوسمة وقلادات مصرية وتركية وأجنبية أوروبية ، مرصعة هي الاخرى بالجواهر والذهب الخالص ، وعملات أثرية قبطية ورومانية وفارسية وبيزنطية يبلغ عددها أربعة ألاف قطعة .

أما مقتنيات مؤسس الأسرة محمد علي باشا الكبير ( حكم مصر 1805 ـ 1849 ) ، فمنها علبة ( النشوق ) الذهبية المرصعة بالماس التي كان يستعملها ، والشطرنج الخاص به وسيف " التشريفة " وهو مصنوع من الصلب على هيئة رأس أفعى ، به ستمئة فص من الماس ..

 

 

وثمة مجموعة للأميرة " سميحة حسن " من أحفاد محمد علي باشا ، وتضم سواراً من الذهب المرصع بالماس والفلمنك ، كما تزين هذا المتحف مجموعات من الصور الملونة بالمينا في أطر ذهبية تخص الخديوي إسماعيل ( حكم مصر 1863 1879 ) ، وزوجاته وبناته وأبنائه .

 

 

الملك فاروق آخر ملوك مصر ( حكم بين 1936 و1952 ) فمجموعته في هذا المتحف تضم ( الشخشيخة ) لعبة الاطفال المعروفة التي كان يستعملها طفلاً ليستدعي بها الخدم ، وهي صممت على هيئة تاج ملكي من البلاتين المرصع بالماس والزمرد والياقوت مع كرات من الذهب صغيرة ، ومتعلقاته بالمتحف تضم كذلك عصا المارشالية التي طالما استخدمها في تنقلاته وباتت تمثل اليوم علامة على عصره ! .

محتويات متحف المجوهرات الملكية يعود تاريخها الى العام 1805 حين تولى محمد علي باشا حكم البلاد وأسس الأسرة العلوية التي استمر حكمها 147 عاما ، وحلم بأن يجعل مصر قاعدة للملكة مستقلة مترامية الأطراف تضم الشام والحجاز حتى حدود تركيا ، بل حلم في مرحلة ما من حكمه ، لاسيما مع توسعه الناجح في الشام ، بأن يسقط الخلافة العثمانية ويجعل من مصر دارا للخلافة ( ألم يقل نجله الفاتح إبراهيم باشا ان جيوشه لن تتوقف الا عندما لا يسمع شخصاً يتكلم بلسان عربي ؟ ) .

الحلم ذاته كان يداعب خيال حفيده إسماعيل الذي أراد لمصر أن تكون قطعة من أوروبا .

وتوالى حكام الأسرة الذين غلب عليهم عشق الأبهة واقتناء التحف الثمينة فاستقطبوا ابداعات الفنانين المصريين والعالميين ، ليصوغوا لهم مشغولاتهم الذهبية والقطع الفنية التي زينت قصورهم وشهدت احتفالاتهم الملكية ومناسباتهم التي كانت من دون حدود .

وهذه المجوهرات ذاتها كانت مصادرة بعد انقلاب يوليو1952 ، وأودعت بخزائن الإدارة العامة للأموال المستردة التابعة للدولة، وبهذا تكون قد صارت قانوناً من ممتلكات الشعب، لكن هذا الشعب لم يرها حتى الأسبوع الماضي، حين افتتح متحف المجوهرات الملكية، عقب توصية من خبراء وطنيين كثر بضرورة الافادة منها تراثياً وسياحياً..!

ولكن هل هذه وحدها هي كل مقتنيات أسرة محمد علي ومجوهراتها ؟

قصور وجواهر :

من بين قصور أسرة محمد علي الزاخرة بالتحف والمجوهرات والتي تمثل ايضاً درراً في فنون العمارة قصر رأس التين بالإسكندرية ، وهو يعد من أقدم القصور الموجودة في مصر ، ويطل على شاطئ البحر الأبيض المتوسط .

 

 

قصر رأس التين أحد المعالم التاريخية والأثرية بالإسكندرية ، وتعود الأهمية التاريخية لهذا القصر إلى أنه القصر الوحيد الذي شهد وعاصر قيام أسرة محمد علي باشا في مصر كاملة ، ويعد أكبر قصور الإسكندرية وفيه ادخل التليفون العام 1879م أواخر فترة حكم الخديوي إسماعيل قبل أن تخلعه بريطانيا عن العرش ، وهو القصر نفسه الذي شهد نهاية حكم الأسرة العلوية في مصر عندما شهد رحيله منه الى منفاه بايطاليا على ظهر اليخت الملكي المحروسة من ميناء رأس التين .

 

 

أما قصر المنتزه فهو أحد القصور الملكية بمصر ، بناه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892 م. بمدينة الإسكندرية. ويقع القصر داخل حدائق تعرف باسمه " حدائق المنتزه " .

ثمة كذلك قصر القبة ، أكبر القصور في مصر ، وهو يستخدم حالياً كمقر لنزول الضيوف الأجانب من رؤساء وغيرهم ، وقد بناه الخديوي إسماعيل ويبعد عدة كيلومترات شمال وسط القاهرة ، وكانت تحيط به الحقول الزراعية والقرى الريفية ، ويمتد من محطة مترو سراي القبة حتى محطة كوبري القبة ، وهو تحول إلى أحد قصور رئاسة الجمهورية بعد انقلاب - يوليو 1952 .

 

 

أما قصر الطاهرة ، فيعد أحد أهم دور الضيافة الرئاسية بمصر في القرنين العشرين والواحد والعشرين ، بني على طراز القصور الأوروبية مع تطعيمه بزخارف تنتمي لحضارات مختلفة ، على عكس القصور التي بنيت في عهد محمد علي والتي كانت تخضع للطراز العثماني ، والقصر يرجع إنشاؤه لأحد أصدقاء الملك فاروق وهو محمد طاهر باشا ، وعندما جاء محمد رضا بهلوي ولي عهد إيران في زيارة لمصر كي يطلب يد الأميرة فوزية أخت الملك ، احتار فاروق في مكان استضافته ، فاقترح عليه صديقه أن ينزل ولي عهد إيران بقصره .

وبعد مغادرة الضيف طمع فاروق في القصر واشتراه باسم الملكة فريدة ، ثم أخذ منها تنازلاً عن القصر ، وضّمه لأملاكه الخاصة ، ونقل إليه مجموعة كبيرة من أثاث القصور الأخرى ، من أشهرها طاولة البلياردو التي كانت موجودة في قصر محمد علي بشبرا الخيمة ، وبعد انقلاب يوليو 1952 ، أُممت كل القصور الملكية التابعة للدولة في ذلك الوقت ، ورغم أن هذا القصر كان ملكية خاصة لفاروق ، رفض مجلس قيادة الثورة إعادته للعائلة المالكة عندما طالب به أبناء الملك فاروق .

ومن أهم الأحداث التاريخية التي مرت بالقصر ، حرب تشرين الأول - أكتوبر 1973 والتي أديرت منه ، وهناك صورة شهيرة للسادات وحوله رجال الجيش وهم يقفون حول منضدة كبيرة يناقشون عليها خطة الحرب ، هذه المنضدة هى نفسها ، طاولة البلياردو التي جاءت من قصر محمد علي .

والقائمة تطول وتطول اذا ما قررنا استعراض تراث الاسرة العلوية وكنوزها ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الاهتمام الآن بافتتاح هذا المتحف وعرض هذه الكنوز للناس .. ؟

الرد أن الدولة المصرية تصالحت طوال السنوات الماضية مع التاريخ ، بكل حقبه ، وبعد ان كان عهد ما قبل انقلاب 1952 هو " العهد البائد "  بات من الممكن ان يرى فيه الناس بعض الملامح الجميلة ، وان تحتضن عيونهم درر هذا العصر وكنوزه مهما كان الرأي التاريخي فيه سيئاً ، لكن الدولة المصرية التي تصالحت مع التاريخ باتت ترفض اقتطاع جزء من تاريخ مصر والالقاء به في سلال المهملات ، فأما الرأي التاريخي فهو متاح للجميع يرفضون هذا ويقبلون ذاك ، وأما التراث فهو ملك للجميع ولا سبيل لإنكاره ولا لإخفائه .

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net