البروتوكولات الملكية فى حلف اليمين الدستورية

 

تعد البروتوكولات وأصول الإتيكيت والمراسم الرسمية والملكية جزءاً لا يتجزأ من كيان الشعوب والممالك المتحضرة ، وإن اختلفت في فكرها واتجاهاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وتتفق الدول في كثير من الخطوط العريضة فيما يختص بهذه البروتوكولات والمراسم الرسمية ، بل ويضرب المثل ببعض الدول والممالك في مدي إتقانها أصول الإتيكيت والمراسم الرسمية ، التي تقام من أجلها المدارس ويستجلب لها الخبراء .

وتتناول هذه البروتوكولات طقوس ومراسم استقبال الملوك والرؤساء والوزراء والسفراء من الدول المختلفة وكذلك مراسم تنصيب الملوك والرؤساء ، ومراسم حفلات الزفاف الملكية ، ومأدبات غداء العمل ، وتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات ، والجنائز الرسمية ، وكذا حلف اليمين الدستورية .

وقد شهدت ثلاثينيات القرن العشرين - تحديداً في يوم الخميس ٢١ جمادي الأولي ١٣٥٦ هجرية ٢٩ يوليو ١٩٣٧ ميلادية - حدثاً مهماً في تاريخ المملكة المصرية آنذاك ، ففي تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح هذا اليوم ، فتح الباب الملكي الواقع في الجهة الغربية لبناء مجلس النواب ، وذلك لاستقبال الموكب الملكي الذي كان قد دخل إلي حديقة سراي البرلمان من الباب الخارجي الشرقي بشارع مجلس النواب آنذاك ، وترجل الملك فاروق من العربة الملكية في سمو ، ونظر في شموخ لمستقبليه من الأمراء والوزراء وأعضاء اللجنة البرلمانية ، ومع ارتفاع هامة الملك الشاب يرتفع علم البلاد علي دار البرلمان ، وعند انطلاق المدافع كانت لحظة فاصلة في تاريخ الأمة ، حيث حلف الملك الشاب اليمين الدستورية أمام هيئة مجلسي الشيوخ والنواب ، ليخلف بذلك رسمياً والده الملك فؤاد ، بعد أن ارتقي الملك الشاب عرش مصر في ٢٨ أبريل عام ١٩٣٦ .

وكمملكة متحضرة ، كان لابد من أن يظهر هذا الحدث المهم والخطير في أزهي صورة أمام العالم أجمع ، وكان لزاماً أن يتم الأمر في إطار بروتوكول ملكي ونظام رسمي راق ٍ، ووقع الأمر علي كاهل السيد « أمين عز العرب » سكرتير عام مجلس الشيوخ في ذلك الوقت ، وبعد تفكير عميق ودراسة متأنية أخرج السيد « أمين عز العرب » نظاماً رسمياً تفصيلياً يتماشي مع هذه المناسبة الملكية المهمة التي تمر بها الأمة المصرية ، وحمل هذا البروتوكول الذي أعده « عز العرب » تعليمات دقيقة لكل الأطراف المسؤولة عن خروج هذا الحدث بالشكل المناسب ، وتم توزيعه علي المسؤولين تحت اسم « نظام اجتماع هيئة مجلسي الشيوخ والنواب لحلف حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول اليمين الدستورية » .

وكأي بروتوكول ملكي ، فقد حدد ملابس الحضور في أن تكون ملابس السهرة والأوسمة لحضرات السيدات ، وكسوة التشريفة الكبري والأوسمة لحضرات المعتمدين السياسيين ، والنياشين لأعيان الأجانب ، وكسوة التشريفة والنياشين لذوي الرتب من المدعوين المصريين والأجانب الموظفين بالحكومة المصرية ، وملابس السهرة والنياشين لغير ذوي الرتب ، وكسوة التشريفة الكبري للعسكريين ، وملابس السهرة وشارة العضوية لأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب ، كما أصدر تعليماته لقومندان قوة بوليس البرلمان بأن يتسلم القومندان أربع صور من هذا البروتوكول ومراعاة الدقة في تنفيذ كل ما أوكل إليه ، وكلفه بتسليم نماذج من جميع بطاقات الدعوة ، وكذلك صورة من الكتاب المرسل من « رياسة » مجلس الشيوخ إلي حضرة صاحب المقام الرفيع وزير الداخلية آنذاك بشأن الحفلة ، وكذلك صورة مما أرسل من الرياسة « رياسة مجلس الشيوخ » إلي حكمدارية بوليس مصر ، وحدد السيد « أمين عز العرب » مهمات قومندان قوة بوليس البرلمان من قيامه بتوزيع قوة البوليس التابعة له والقوة الإضافية وكذا رجال المطافئ ورجال المرور الذين سيعملون داخل أسوار البرلمان ، علي أن يرسل إلي سكرتير عام مجلس الشيوخ كشفاً بتوزيع القوات التي تحت رئاسته ، وإمعاناً في الدقة وحفاظاً علي أمن وسلامة الموكب الملكي ، فقد أمر « عز العرب » القومندان بغلق جميع الأبواب الخارجية والداخلية للبرلمان ، علي أن يتم ذلك في الساعة الخامسة من مساء يوم الأربعاء ٢٨ يوليو ١٩٣٧ وهو اليوم السابق علي حلف اليمين ، بعد أن يفتش القومندان شخصياً جميع أماكن البرلمان والوزارات والمصالح المجاورة له ، تفتيشاً دقيقاً ، ويفتش مرة أخري صبيحة يوم الاجتماع قبل فتح الأبواب .

وحرصاً علي سهولة ويسر الحركة وعدم تعطيل المرور ، فقد أمر بفتح الباب البحري لحديقة وزارة الأشغال بشارع الشيخ ريحان عند الساعة السابعة من صباح يوم الخميس ٢٩ يوليو ١٩٣٧ ، وفتح البابين القبليين الواقعين علي شارع مجلس النواب وكذلك الأبواب الداخلية « الشرقي والأوسط والغربي » عند الساعة السابعة والنصف صباحاً ، وينزل المدعوون من مركباتهم عند الأبواب الخارجية ، وأكد عدم السماح للمصورين أو مساعديهم بالصعود علي سطح البرلمان .

وفي هذا اليوم التاريخي ووفقاً للبروتوكول ، ففي تمام الساعة السابعة من صباح يوم حلف اليمين كان جميع الموظفين المكلفين بالاستقبال قد حضروا إلي البرلمان واتخذ كل منهم مكانه المحدد .

وجاءت اللحظة الحاسمة ، ودخل الموكب الملكي إلي حديقة سراي البرلمان من الباب الخارجي الشرقي بشارع مجلس النواب متجهاً إلي الباب الملكي بالجهة الغربية لبناء مجلس النواب ، وبمجرد نزول الملك من العربة الملكية قام قومندان بوليس البرلمان برفع العلم علي دار البرلمان ، وكان أعضاء اللجنة البرلمانية من أعضاء مكتبي مجلسي النواب والشيوخ ورئيسيهما في استقبال الملك فاروق عند السلم مع أصحاب المعالي الوزراء ، واتخذ الجميع أماكنهم في قاعة الاجتماع ، وعند الساعة التاسعة ، نبّأ كبير الأمناء حضرة الأستاذ الرئيس بقدوم جلالة الملك إلي قاعة الجلسة ، وعند بدء حلف اليمين الدستورية أعطي مساعد قومندان قوة بوليس البرلمان إشارته إلي الضابط المنتدب لإطلاق المدافع ، وبدخول الملك إلي قاعة الاجتماع قام رئيس مجلس الشيوخ - وفقاً للبروتوكول - باستئذان الملك في جلوس الأعضاء ، وبالفعل جلس أعضاء مجلس الشيوخ إلي يمين الرياسة ، وجلس أعضاء مجلس النواب إلي يسارها وجلس إلي يمين جلالة الملك صاحبو المقام الرفيع عضو ومجلس الوصاية الموقر وأصحاب السمو الأمراء وأصحاب المجد النبلاء ،  وعن يساره رئيس مجلس الوزراء وأصحاب المعالي الوزراء ،  وتولي رئيس مجلس الشيوخ رياسة الاجتماع ، ثم ألقي كل من رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ كلمتيهما ، وكانت هذه الوقائع تذاع بميدان الأوبرا وميدان السيدة زينب وميدان باب الحديد بالعاصمة وقت إلقائها ، كذا بميدان سعد زغلول وميدان سوق الخيط وميدان باكوس بالرمل بالإسكندرية ، ثم جاءت اللحظة التاريخية وإذا بالملك الشاب فاروق الأول يلقي بكلمته ويحلف اليمين الدستورية ، وما أن انتهي إلا وهتف رئيس مجلس الشيوخ « يعيش الملك » ثلاث مرات ، وردد الأعضاء الهتاف خلفه ليدوي صوتهم في أرجاء البرلمان وأنحاء العاصمة والإسكندرية ، وبرح الملك الشاب دار البرلمان مودعاً النظام الذي قوبل به عند تشريفه .

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net