عائشة اسماعيل وصيفة السلطانة ملك

هى نحيلة فى زهد ، سمراء فى أصالة و إعتزاز حكيمة فى إختبار السنين ، إنها ( عائشة إسماعيل )  خازيندارة السلطانة ملك زوجة السلطان حسين كامل .

 

تقول عن نفسها  :

اسمى عائشة اسماعيل ، كان والدى يعمل خازيندار فى دائرة السلطان حسين ، وفى سن الثامنة صحبنى ذات يوم إلى الدائرة،  فشاهدتنى السلطانة ، وطلبت من والدى أن يتركنى،  فقد توفى السلطان حسين وتعهدت السلطانة برعايتى ، وبالفعل أحضرت لى مدرسا للغة الفرنسية ومدرسة للغة العربية ، وتعلمت أنا اللغة التركية من خلال المشرفات فى السرايا ، وكنا نطلق عليهن ( الابلوات ) فالسلطانة هى أمى الثانية بل إننى عشت معها أكثر مما عشت مع والدتى ، فقد عملت معها أكثر من 18 عام ، كنت الخازيندارة الخاصة بها أى مسؤولة عن أموالها ومجوهراتها بإستثناء عمليات البيع و الشراء،  رحمها الله كانت سيدة فاضلة متدينة تقرا القرأن و تتكلم الفرنسية والعربية والتركية،  تفاءلت كثيرا بقدومى إليها ، وكانت تردد دائما عائشة وشها حلو على،  أما السبب فيعود إلى شراء الأمير كمال الدين حسين إبن السلطان حسين من زوجته الأولى الأميرة عين الحياة،  لثلاث سرايات مرة واحدة وإهدائها إلى السلطانة ملك زوجة أبيه الأولى،  فى مصر الجديدة والثانية فى المعمورة ، والثالثة فى الأقصر ، ومن المفارقات أن السلطانة ملك وهى شركسية الأصل هى إبنة لأحد الباشاوات فى منطقة القوقاز،  علاوة على ذلك فهى إبنته من إحدى جواريه تم بيعها  وهى فى الثالثة من عمرها ، ففى ذلك العهد كان من الشائع فى منطقة الأناضول والقوقاز أن تبيع بعض العائلات الكبرى بناتها ، حيث كان يتم شرائهن من قبل الملوك والسلاطين فى الشرق ، فمن المحتمل أن تتزوج إحدى بناتهم من الأمراء والأثرياء ، وقد تم شراء السلطانة وإسمها الحقيقى (  نيرى فير )  ، وصحبتها إحدى الجوارى إلى قصر الخديو إسماعيل لكى تعيش معها ، وتبنتها جشم أفت هانم وهى من أجمل زوجات الخديو إسماعيل اللأتى لم ينجبن أطفالا ، وللسلطانة واقعة طريفة مع أفندينا حين كانت فى الرابعة من عمرها ، وشاهدها ذات يوم على سلم القصر أثناء صعوده فأفسحت له الطريق ،  وقالت له فى أدب جم إتفضل يا افندينا ،  فسر منها كثيرا و تعلق بها وحين بلغت السادسة عشر من عمرها كانت تتولى مهمة تقديم القهوة للخديو وفقا لتقاليد هذا الزمان ، فكان يوجد ما يسمى بغرفة القهوة و ذات يوم رتب الخديو لقاء متعمد بين السلطانة وابنه الأمير حسين كامل البالغ من العمر 55 عام،  وشاهد ملك الجميلة ذات ال 16 ربيعا،  وإقترح عليه إسماعيل الزواج من ملك ، وأضاف الخديو لإبنه(  أنا لم أتزوج أى إمرأة من العائلة جميع زوجاتى كن جوارى ) ، وإنتهى كلام أفندينا وهو أوامر بالنسبة للأمير حسين كامل ، وقد رزق منها بالأميرة قدرية التى تزوجت خيرى باشا ، وكان يعمل تشريفاتى للسلطانة ملك ، وتزوجت الأميرة سميحة من وحيد باشا يسرى نجل الأميرة شويكار مطلقة الملك أحمد فؤاد الأول ، وقد إشتهرت الأميرة سميحة بمواهبها الفنية فى الرسم والنحت ، وعلى يدها تعلمت الملكة فريدة فنون الرسم بعد طلاقها من الملك فاروق،  حيث قضت فترة زمنية ملازمة للأميرة سميحة فى منزلها .

وبمرور الزمن علمت أن الملك أحمد فؤاد الأول كان يتمنى الإرتباط بملك لكن أوامر أفندينا لايمكن عصيانها لكنها ظلت تحظى بإحترامه وعنايته اثناء فترة حكمه حيث أمر بتخصيص ، 2000 جنيه سنويا لها كانت تكفى للسفر خارج البلاد لمدة 3 شهور بالإضافة الى 500 جنيه شهريا ، و لم ينس الملك أحمد فؤاد الأول يوما شهامتها و كرمها معه حين كان من رواد المائدة الخضراء و كثيرا ما خسر نقوده بأكملها فكان يلجأ للسلطانة طلبا للاستدانة ، وفى إحدى المرات أثنى على أناقة السلطانة و حسن إختيارها لالوان ملابسها فقالت له إنه إختيار عائشة فأرسل لى حزاما من الجنيهات الذهبية .

أما الملك فاروق فقد عرفته طفلا صغيرا كان يأتى مع والده لزيارة السلطانة،  كان بسيطا متواضعا ،  وفى إحدى المرات إندمج مع العمال الذين يقومون بالتشطيبات النهائية فى سراى المعمورة وجلس يأكل معهم على الأرض ، فعنفه أبوه قائلا و الله ما أنت فالح بكره المصريين يطردوك ، كان والده متشددا معه و هو كطفل كان يميل إلى المرح و الدعابة ، وحين كنت اذهب مع السلطانة إلى قصر رأس التين فى اسكندرية كان يجهدنى فى صعود السلم وهبوطه ولا يتوقف إلا بأمر والده ، ومن القصص الطريفة التى أذكرها عنه حينما كان وليا للعهد وقام بزيارة الإسكندرية مع رائده الخاص وشاهدته إحدى  السيدات وكانت حاملا فى شهورها الأخيرة ، فلا يوجد تليفزيون و لم تشاهد صورته من قبل ، وتحدث معها فقالت له يارب تتعين عندنا مأمور فضحك قائلا لا ،  ولكن إدعى أن تنجبى ولدا إسمه فاروق وبالفعل سجل تاريخ مقابلته لها ومكان مسكنها ، وحين تأكد من أنها وضعت ولدا بإسمه ، أمر بدفع عشرة ألاف جنيه لها .

وفيما يتعلق بالسلطانة ملك فقد أطال الله فى عمرها ، وكانت سيدة فاضلة سخية الى درجة كبيرة ، تحظى بمحبة الجميع وحين أل إليها تاج الأميرة جشم أفت إحتفظت به ، وبعد فترة زمنية قامت بفكه وتوزيعه ، وكان من نصيبى فرع قمت بدورى بأهدائه الى انسان كان فى حاجة اليه اكثر منى .

وعندما كان فاروق ملكا إعتدنا أن يزور السلطانة فجأة دون سابق إنذار ، وعندما أذهب لستقباله و تحيته يداعبنى قائلا قولى للسلطانة أبو البنات وصل .

وأتذكر من العائلة المالكة كذلك الأمير يوسف كمال وهو من أغنياء العائلة ، جده لأبيه هو الأمير احمد رفعت الذى لقى حتفه فى حادث قطار كفر الزيات ، ولم يتزوج الأمير يوسف كمال ، وكان لديه يخت رائع إسمه ( نسبر فير ) على إسم والدته ، وكان يتردد أنه يمتلك أراضى شاسعة بالمجر وهو إنسان حنون محب للفنون ، كان ينادى الطباخة بماما ،  كتب معظم أملاكه للعاملين معه .

أما عن حياتنا الإجتماعية فكانت تخضع لجدول معتاد فيكون الصيف فى أوروبا لمدة شهور ، وكنا نختص سويسرا بأطول فترة ، تليها فرنسا ، أما صديقاتى فى السراى فكن ( ناهد رشاد ) وهى سيدة فاضلة جميلة ولطيفة ، وقد استاءت كثيرا من الشائعات التى أطلقت عليها ، وكلها كاذبة تماما،  فعلاقتنا بدأت منذ الطفولة حين كانت والدتها ألفت هانم تتولى منصب تشريفاتجية السلطانة ملك ، وهى من عائلة كبيرة ، أما صديقتى الثانية فهى( نفيسة بهجت ) زوجة الفنان الكبير صلاح ذو الفقار وهى سيدة طيبة جدا .

وأحيانا أتسأئل عن مصير الخزنة الحديدية التى قام بتصنيعها 2 من الإيطاليين فى بدروم سراى مصر الجديدة،  فبعد وفاة السلطانة بيومين وعقب انتهاء مراسم العزاء ، وجدناها خاوية للأسف الشديد ، فعندما حدثت الوفاة كنت قد تزوجت و جاءنى الخبر بالتليفون ، وسارع بعض العاملين معها من الأتراك بالإستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأموال والمقتنيات ، وحين سألت إبنتها سميحة فيما بعد أجابتنى أنها لم تحصل على شئ يذكر من السراى .

عقب ثورة يوليو سارعت السلطانة ملك وإتصلت بالرئيس الثانى للجمهورية ( جمال عبد الناصر ) ، وبدأت حديثها معه بأنها ليست من العائلة المالكة أصلا ، وروت له قصتها فطمأنها ووعدها بعدم المساس بأملاكها طوال مدة حياتها على أن تؤول ملكية الأراضى والعقارات فيما بعد للدولة بموجب قانون التأميم ، وبالفعل صدق فى وعده إلى أن حدثت الوفاة فساوى الموت بين الجميع .

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net