الشاعر بيرم التونسى

 

في عهد الملك فؤاد استفحل نفوذ الانجليز في البلاد دون أن يجسر أحد على نقد الملك ، فانفرد بيرم بمهاجمته بأقسى أنواع النقد بنشر فضائحه الشخصية ، وقد قيل أن هذه الجرأة كانت ناشئة عن جنسيته التونسية التي كان لها حقوق الجنسية الفرنسية فلا تخضع للمحاكم المصرية .

وكان أول هجوم له هو نشره ما ذاع من أن سراي السلطان فؤاد كانت مسرحاً لعلاقة غرامية بين الاميرة ( فايقة ) ابنته من زوجته الاولى الاميرة ( شيوه كار ) ، تلك العلاقة كثرت حولها الأقاويل حيث شاع بين الناس أن محافظ القاهرة حينذاك ( حسين فخرى ) على علاقة غير شريفة بالأميرة ، فطلب الملك فؤاد من المحافظ أن يتزوجها فرفض ، فعرض الأمر على أخيه ( محمود فخري باشا ) وأغراه بتعيينه في منصب مرموق فقبل ، فكتب بيرم زجلاً على وزن أغنية شعبية كانت شائعة حينئذ مطلعها ( مرمر زماني - يا زماني مرمر ) بعنوان ( القرع السلطانى )  ، والتى قال فيها :

 

البنت ماشية من زمان تتمخطر

والغفله زراعه في الديوان زرع اخضر

تشوف حبيبها فى الجاكته الكاكى

والسته خيل والقمشجى الملاكى

تسمع قولتها .... ياوراكى

والعافية هبله والجدع متشطر

الوزة من قبل الفرح مدبوحة

والعطفة من قبل النظام مفتوحة

والديك بيدن والهانم مسطوحة

تقرأ الحوادث فى جريدة كتر

ياراكب الفيتون وقلبك حامي

حود على القبة وسوق قدامي

تلقى العروسة شبه  محمل شامي

وأبوها يشبه في الشوارب عنتر

وحط  زهر الفل فوقها وفوقك

وجيب لها  شبشب يكون على ذوقك

ونزل النونو القديم من طوقك

ينزل فى طوعك لا الولد يتكبر

دا ياما مزع كل بدلة وبدلة

وياما شمع بالقطان والفتلة

ولما جه الامر الكريم بالدخلة

قلنا اسكتوا خلو البنات تتستر

نهايته يمكن ربنا يوفقكم

مادام حفظية الماشطه بتزوقكم

دي سكره مالطى داهية ماتفوقكم

بس ابقى سيبك م اللى فات ده مقدر

مرمر زماني يازماني مرمر

 

وعندما علم فؤاد بهذا الزجل هاج وماج ، ولكن الامتيازات الأجنبية حالت دون ينال من بيرم شيئا ، ولم يلبث بيرم أن كتب زجلاً آخر أكثر جرأة بعد أن أعلن عن مولد فاروق في 11 نوفمبر سنة 1920 ، ولم يكن قد مضى على زواج فؤاد بزوجته الثانية نازلي إلا قرابة سبعة أشهر ، حتى أشيع أن الحمل في فاروق حدث قبل عقد القران - فكان الزجل الذي كتبه ( البامية السلطانى ) ، حيث قال فيه :

 

البامية في البستان تهز القرون

وجنبها القرع الملوكي اللطيف

والديدبان داير يلم الزبون

صهين وقدم وامتثل يا خفيف

نزل يلعلط تحت برج القمر

ربك يبارك لك في عمر الغلام

يا خسارة بس الشهر كان مش تمام

 

ثم نشر بيرم زجلاً أشد عنفاً بعنوان ( هاء هاء هاء ) ، قال فيه :

 

اسمع حكاية بعدها هأهأ

زهر الملوك في الولد أهو طأطأ

مالناش قرون كنا نقول مأ مأ

وناكل البرسيم بالقفة

سلطان بلدنا حرمته جابت

ولد وقال سموه بفاروق

فاروق فارقنا امال بلا نيلة

دي مصر مش عايزالها رذيلة

دي عيشة بالقوة وبالتيلة

ومين بقى يلحس دي التفة

يا داية ليه مانتيش حداية

خدتيه ورحتي على الجبلاية

جبتي لنا خبره وتنك جاية

ندق لك في البيت الزفة

يا عزرائيل اخلص بقى تاوي

ناقص سوا وديه عالنار

وخد كمان جوليا قطاوى

ياما الزمان كشف أسرار

 

ومع تكرار تلك المواقف من الشاعر ( بيرم التونسى ) اتصل السلطان ( فؤاد ) بالقنصلية الفرنسية ، التي كانت تتدخل في شئون مصر بزعم حمايتها للأجانب ، وبما أن أصل بيرم ( أبو الجد ) غير مصري ، يكون بيرم تحت الحماية الفرنسية ، لترحله فورًا إلى بلده تونس .

وفعلاً تم طرد بيرم في 25 أغسطس 1920 ولم يُسمح له حتى بوداع أهله ، وكان عمره وقتها سبعة وعشرين عامًا .

وما أن استقر ( بيرم التونسى ) فى تونس حتى أرسل زجلاً يسخر من السلطان بقوله :

 

ما قلتليش يا راعي الرعيان

بقى لك أزمان

ازاي أحوال الخرفان

بتوع المجزر

 

وعندما أصبح السلطان أحمد فؤاد ملكاً عقب التصريح البريطاني في 28 فبراير 1926 الذي اعترفت فيه بريطانيا بالاستقلال الذاتي لمصر ، وتحولت مصر من سلطنة إلى مملكة ، إذا ببيرم ينشر زجلاً بعنوان ( مجرم ودون )  يقول فيها :

 

ولما عدمنا بمصر الملوك

جابوك الانجليز يا فؤاد قعدوك

تمثل على العرش دور الملوك

وفين يلقوا مجرم نظيرك ودون

وخلوك تخالط بنات البلاد

على شرط تقطع رقاب العباد

وتنسى زمان وقفتك يا فؤاد

على البنك تشحت شوية زتون

بذلنا ولسة بنبذل نفوس

وقلنا عسى الله يزول الكابوس

ما نابنا إلا عرشك يا تيس التيوس

لا مصر استقلت ولا يحزنون

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net