مجوهرات اسرة محمد على

 

 

د / زاهى حواس

 

في حراسة مشددة لم يسبق لها مثيل ، جعلت المارة يراقبون سيرها متسائلين عن سر هذه العربات ؟ ، وعما تحمله ؟ ، وبمجرد وصول هذا السرب المصفح إلى البوابة الرئيسية للمتحف المصري ، اعتقد جميع من كان موجودا في تلك اللحظة بالقرب من المتحف أن هذه العربات إما أنها جاءت تحمل آثارا للمتحف المصري ، أو لتنقل آثارا من المتحف ! ، وفي اليوم التالي حدث نفس المشهد ، سرب من العربات المصفحة يأتي إلى المتحف المصري وسط حراسة مشددة ، أما عن هذه المهمة المثيرة ولغز هذه العربات التي قامت بنقل 55 صندوقا مليئا بمجوهرات أسرة محمد علي باشا الذي حكم مصر في الفترة من 1805- 1848م ، وهو صاحب نهضة مصر الحديثة ، فقد جاءت هذه الصناديق المليئة بالحُلي والمجوهرات والنفائس من خزينة البنك المركزي المصري لتوضع مؤقتا في خزائن بدروم المتحف المصري ، إلى أن يتم تسجيلها في سجلات المجلس الأعلى للآثار ، وعرضها في المتاحف المصرية .

تعود قصة هذه الصناديق إلى قيام ثورة يوليو ، وصدور القوانين الاشتراكية التي نتج عنها مصادرة أموال وقصور وممتلكات الأثرياء الذين كانوا يعيشون في مصر ، وأود أن أقول إنني لست واحدا ممن ينتسبون إلى أسرة محمد علي ، ولكن لا يمنعني هذا من إبداء الحزن والأسى لما حدث لبعض هذه الأسر التي انتزعت منها ممتلكاتها ، ومنها هذه المجوهرات .

وقد كان الهدف هو القضاء على الطبقية وطبقة الباشاوات ، وللأسف الشديد ، الذي حدث هو ظهور نوع جديد من الباشاوات ، بل إن شئنا قلنا سوبر باشاوات ، وهناك قصور خرج منها أصحابها الباشاوات الحقيقيون ، وعاش فيها من ليس لهم الحق ، وقد قمت منذ أكثر من 20 عاما مضت بمعاينة أحد القصور الجميلة التي تجاور قصر البارون بمصر الجديدة ، وكان قد خصص - بعد نزعه من أصحابه - لتسكن فيه أسرة أحد ضباط الثورة .

وبعد صدور قوانين الاشتراكية قامت لجنة المصادرة بجمع الحُلي والمجوهرات ، ووضعتها داخل صناديق حفظت بالبنك المركزي طوال هذه السنوات ، ولم يجرؤ أي مسؤول عن الآثار على استلام هذه الصناديق ، لعدم معرفة محتواها بالضبط ، والتخوف من حقيقة هذه المجوهرات ، وتصنيف ما هو حقيقي ، وما هو مقلد ! ، أو أن تكون هناك أيد غير أمينة عبثت بهذه الصناديق ! .

وقد قال لي صديق منذ سنوات إن هذه الصناديق عبارة عن خراج يجب ألا يتم فتحه الآن ! ، ولكن أنا شخصيا ، ومعي صديقي الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي ، سعداء جدا بقرار النائب العام عبد المجيد محمود بخروج هذه الصناديق من البنك المركزي إلى المجلس الأعلى للآثار ، وبسبب طول فترة وجود الصناديق بخزائن البنك ، تآكلت ، واضطر البنك إلى صنع صناديق أخرى كبيرة ، لوضع الصناديق القديمة بداخلها .

والصناديق منها حوالي ثمانية صناديق تحوي محاضر جرد وسجلات لجنة المصادرة ، أما الخطوة التالية ، فهي عمل لجان متخصصة على مستوى عال ٍ، منها الأثريون وخبراء من الدمغة والموازين ، وبعض خبراء الحُلي والمجوهرات لجرد هذا الكنز الموجود بالصناديق ، هذا هو أحدث أسرار العمل الأثري في مصر ، ومما لا شك فيه أن هذه المجوهرات ستضيف الكثير إلى متاحفنا ، وسيتمتع الزائرون من كل مكان برؤية بريق الذهب والألماس ، وسيتمتعون بمشاهدة أجمل تصميمات الحُلي التي صُنعت خصيصا لأسرة محمد علي باشا على يد أمهر صناع المجوهرات في العالم ، ويبقى سؤال: هل يصلح قصر البارون كمتحف لعرض مجوهرات أسرة محمد علي ؟ .

 

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net