ثورة سنة 1919 وتضامن قطبى الامة ضد الاحتلال الانجليزى

 

ثورة 1919 هي ثورة حدثت في مصر بقيادة سعد زغلول زعيم الحركة الوطنية المصرية ، جاءت هذه الثورة في ظل المعاملة القاسية التي كانت بحق المصريين من قبل البريطانيين ، والأحكام العرفية التي أصدرت بحق المصريين بالإضافة إلى رغبة المصرين بالحصول على الاستقلال .

 أتت هذه الثورة نتيجة مطالبة سعد زغلول بالسماح للوفد المصري بالمشاركه في مؤتمر الصلح في باريس ، وعندما رفضت بريطانيا هذه المشاركة واصرار سعد زغلول عليها اضطرت إلى نفيه هو ومحمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقى إلى مالطة ، فانفجرت الثوره في كل مكان في مصر واشتركت فيها عديد المصريين .

وتعتبر ثورة سنة 1919 أول ثورة تشترك فيها النساء في مصر ، بقيادة صفية زغلول مطالبين بالإفراج عن سعد زغلول ، فاضطرت السلطات البريطانية إلى الرضوخ للمطلب الشعبي وأفرجت عن سعد زغلول .

هذه الثورة أعطت للبريطانيين الضوء الأحمر والتي جعلت البريطانين يقومون بإلغاء الأحكام العرفية ، ووعد المصريين بالحصول على الاستقلال بعد ثلاث سنوات مقابل إبقاء قوات بريطانية في مصر .

 

مقدمات الثورة :

في ظل المعاملة القاسية التي عاناها المصريون من قبل البريطانيين والاحكام العرفية التي أصدرت بحق المصريين ، ورغبة المصريين بالحصول على الاستقلال ، قامت ثورة 1919م والتي تعتبر أول ثورة شعبية في أفريقيا وفي الشرق الأوسط ، وتبعتها الهند وثورة العراق وليبيا .

 

الاسباب التى ادت الى قيام ثورة 1919 :

ففي الريف ، كان مألوفا أن تصادَر ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول لأجل المساهمة في تكاليف الحرب، كما حرصت السلطات العسكرية على إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التي تتناسب مع متطلبات الحرب ، وعلى القيام ببيع المحاصيل بأسعار تقل كثيرا عن الأسعار السائدة ، وتم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسري للمشاركة في الحرب فيما سمي بـ ( فرقة العمل المصرية ) التي استخدمت في الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال في سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا وغيرها .

في الوقت نفسه شهدت هذه الفترة ارتفاعا للأسعار بشكل ملحوظ ، بما فيها أسعار السلع الأساسية ، حيث سجلت الأرقام القياسية للأسعار ارتفاعا بلغ 216 عام 1918 مقارنة بسنة 1914، وارتفع سعر القمح بمعدل 131% والسكر 149% والفول 114% والبترول 103% كما بلغ سعر الفحم في نهاية الحرب تسعة أمثال ما كان عليه قبل اندلاعها .

 وارتبط ذلك أيضا بنقص حاد في السلع الاساسية ، وكان لهذه الأوضاع أن أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن ، حيث شهدت مدينتي القاهرة والأسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب ، ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء ، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم ، في التخفيف من حدة الأزمة ، وعلى الجانب الآخر كان هناك استياء من قبل كبار الملاك بسبب تدخل السلطات في نوع المحصول على حساب زراعة القطن ولصالح السلع الغذائية وأهمها القمح ، رغم أن هذه الطبقة قد استفادت من ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بما فيها القطن والسلع الغذائية .

من ناحية أخرى ، أدت سنوات الحرب إلى ازدهار بعض أقسام الرأسمالية المصرية بسبب إغلاق الطرق البحرية ، ومن ثم صعوبة وردود المنتجات الأجنبية ، وهو ما أتاح فرصة للتوسع الصناعي والتجاري ، وبشكل عام ارتفعت معدلات العمالة خلال سنوات الحرب .

غير ان هذا التوسع تزامن مع زيادة الأسعار ونقص الغذاء ، كما سبق القول ، إضافة إلى تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب ، وفي حقيقة الأمر فقد شهدت الفترة منذ العقد الأخير من القرن التاسع عشر وحتى اندلاع الحرب ، قدرا من النمو في حجم الطبقة العاملة بسبب تدفق الاستثمارات الأجنبية والتوسع في شبكات النقل. ومنذ بداية القرن العشرين وحتى نشوب الحرب ، خاض عمال الصناعة والنقل عددا من الإضرابات للمطالبة برفع الأجور وتقليل ساعات العمل ، كما تشّكل عدد من النقابات للدفاع عن حقوق العمال مثل الرابطة الدولية لعمال السجائر والورق في القاهرة ، ونقابة عمال الصناعة اليدوية ، ولكن مع نشوب الحرب تم إجهاض النشاط النقابي وأصبح العمال عاجزين عن الدفاع عن حقوقهم . 

 

نشأة الوفد :

عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1918 ، تم وضع مصر تحت الحماية البريطانية ، وظلت كذلك طوال سنوات الحرب التي انتهت في نوفمبر عام 1918 ، أُرغم فقراء مصر خلالها على تقديم العديد من التضحيات المادية والبشرية ، وقد مثّل اضطراب وتفكك النظام الأوروبي نتيجة الحرب ، إضافة إلى ما ارتبط بهذا من تفاقم القهر والاستغلال لشعوب المستعمرات ، وقيام الثورة الروسية وما طرحته من إمكانية قلب الأنظمة السائدة ، دوافعا لتطور الحركات الوطنية في كثير من المستعمرات ، ومن ثم فقد اندلعت ثورة 1919 في ظل موجة من الحركات الوطنية شملت الهند والصين وأيرلندا وبعض مناطق أمريكا اللاتينية .

 

تشكيل الوفد المصرى :

 

 

خطرت للزعيم سعد زغلول فكرة تأليف الوفد المصري للدفاع عن قضية مصر سنة 1918م حيث دعا أصحابه إلى مسجد وصيف ( في قصر سعد زغلول بجوار جسر النيل ) عابرين كوبري خشبي يعتبر سري في تلك الفترة وقد دمر هذا الكوبري فيما بعد لمنع الوصول إلى قصر سعد باشا زغلول ، وهذا الكوبري قد اعيد الآن باسم كوبري صفية نسبة إلى ام المصريين صفيه هانم زغلول ، وذلك للتحدث فيما كان ينبغي عمله للبحث في المسألة المصرية بعد الهدنة ( بعد الحرب العالمية الأولى ) عام 1918 ، وتم تشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين .. وأطلقوا على أنفسهم ( الوفد المصري ) .

وقام الوفد بجمع توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية وجاء في الصيغة :

( نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات : سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى ) .

 

اعتقال سعد :

وطالب الوفد بالسفر للمشاركة في مؤتمر الصلح لرفع المطالب المصرية بالاستقلال ، وإزاء تمسك الوفد بهذا المطلب ، وإزاء تعاطف قطاعات شعبية واسعة مع هذا التحرك ، قامت السلطات البريطانية بالقبض على سعد زعلول وثلاثة من أعضاء الوفد هم محمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي ، ورحّلتهم إلى مالطة في الثامن من مارس عام 1919 ، وكان ذلك إيذانا بقيام الثورة التي اجتاحت جميع انحاء البلاد ، وتصدت لها القوات البريطانية وقوات الأمن المصرية بأقصى درجات العنف .

 

احداث الثورة :

 

 

المرأة تشارك لأول مرة فى تاريخها فى ثورة

 

في اليوم التالي لاعتقال الزعيم الوطني المصري سعد زغلول وأعضاء الوفد ، أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات ، وفي غضون يومين ، امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الازهر ، وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن ، ففي القاهرة قام عمال الترام بإضراب مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وغيرها ، وتم شل حركة الترام شللا كاملا ، تلا ذلك إضراب عمال السكك الحديدية ، والذي جاء عقب قيام السلطات البريطانية بإلحاق بعض الجنود للتدريب بورش العنابر في بولاق للحلول محل العمال المصريين في حالة إضرابهم ، مما عجّل بقرار العمال بالمشاركة في الأحداث .

ولم يكتف هؤلاء بإعلان الإضراب ، بل قاموا بإتلاف محولات حركة القطارات وابتكروا عملية قطع خطوط السكك الحديدية – التي أخذها عنهم الفلاحون وأصبحت أهم أسلحة الثورة .

 

 

وأضرب سائقو التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك ، تلا ذلك إضراب عمال المطابع وعمال الفنارات والورش الحكومية ومصلحة الجمارك بالإسكندرية .

ولم تتوقف احتجاجات المدن على التظاهرات وإضرابات العمال ، بل قام السكان في الأحياء الفقيرة بحفر الخنادق لمواجهة القوات البريطانية وقوات الشرطة ، وقامت الجماهير بالاعتداء على بعض المحلات التجارية وممتلكات الأجانب وتدمير مركبات الترام .

في حين قامت جماعات الفلاحين بقطع خطوط السكك الحديدية في قرى ومدن الوجهين القبلي والبحري ، ومهاجمة أقسام البوليس في المدن .

ففي منيا القمح أغار الفلاحون من القرى المجاورة على مركز الشرطة وأطلقوا سراح المعتقلين ، وفي دمنهور قام الأهالي بالتظاهر وضرب رئيس المدينة بالأحذية وكادوا يقتلونه عندما وجه لهم الإهانات .

وفي الفيوم هاجم البدو القوات البريطاينة وقوات الشرطة عندما اعتدت هذه القوات على المتظاهرين ، وفي اسيوط قام الأهالي بالهجوم على قسم البوليس والاستيلاء على السلاح ، ولم يفلح قصف المدينة بطائراتين في إجبارهم على التراجع ، أما في قرية دير مواس محافظة المنيا , هاجم الفلاحون قطارا للجنود الإنجليز ودارت معارك طاحنة بين الجانبين .

وعندما أرسل الإنجليز سفينة مسلحة إلى أسيوط ، هبط مئات الفلاحين إلى النيل مسلحين بالبنادق القديمة للاستيلاء على السفينة ، وعلي الجانب الأخر كان رد فعل القوات البريطانية من أفظع أعمال العنف الذي لاقاه المصريون في التاريخ الحديث ، فمنذ الايام الأولى كانت القوات البريطانية هي أول من أوقع الشهداء بين صفوف الطلبة أثناء المظاهرات السلمية في بداية الثورة .

وعقب انتشار قطع خطوط السكك الحديد ، اصدرت السلطات بيانات تهدد بإعدام كل من يساهم في ذلك ، وبحرق القرى المجاورة للخطوط التي يتم قطعها ، وتم تشكيل العديد من المحاكم العسكرية لمحاكمة المشاركين في الثورة ، ولم تتردد قوات الأمن في حصد الأرواح بشكل لم يختلف أحيانا عن المذابح ، كما حدث في الفيوم عندما تم قتل أربعمائة من البدو في يوم واحد على أيدي القوات البريطانية وقوات الشرطة المصرية ، ولم تتردد القوات البريطانية في تنفيذ تهديداتها ضد القرى ، كما حدث في قرى العزيزية والبدرشين والشباك وغيرها ، حيث أُحرقت هذه القرى ونُهبت ممتلكات الفلاحين ، وتم قتل وجلد الفلاحين واغتصاب عدد من النساء .

 

انقسام قوى الثورة :

كان طبيعيا أن يعكس اختلاف الانتماءات الطبقية نفسه على سلوك ومواقف القوى المشاركة في ثورة 1919. وفي حقيقة الأمر، لم يكن يخطر ببال أعضاء الوفد المصري أن حركتهم ستؤدي إلى ثورة شعبية .

فقد كان أقصى ما يبتغيه الوفد هو تعبئة الطبقات العليا وقطاعات من الطبقة المتوسطة للحصول على الاستقلال عن طريق التفاوض ، وقد ظهر ذلك جليا من خلال النهج الذي اتبعه قادة الوفد خلال نحو أربعة اشهر منذ أن قابلوا المندوب السامي في نوفمبر 1918 وحتى اندلاع الثورة في مارس من العام التالي ، فخلال تلك الفترة ، تركز نشاط الوفد في أرسال البرقيات الي الأطراف التي كان يعتقد أنها ستساند المطلب المصري بالاستقلال ، مثل قناصل الدول ورؤساء وزراء الدول الأوروبية والرئيس الأمريكي ولسون وغيرهم ، وكان هدف حركة التوكيلات التي قام الوفد بجمعها الحصول على تفويض من أعضاء البرلمان والأعيان والمتعلمين ، ولم يكن مخططا أن تتخذ الحركة طابعا شعبيا يشمل مختلف الطبقات – وهو ما حدث بعد ذلك .

وفي اليوم التالي لترحيل سعد زغلول ورفاقه ، توجه وفد من الطلبة إلى عبد العزيز فهمي يسألونه عن رد الفعل الذي يجب أن يقوموا به ، فطلب منهم العودة إلى جامعتهم وعدم ( اللعب بالنار ) ، وألا يزيدوا غضب الانجليز ، لكنهم لم يمتثلوا لذلك وبدأوا في التظاهر كما سبقت الإشارة .

ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، بل أن اعضاء الوفد الذين ظلوا في مصر أرسلوا برقيات إلى السلطان فؤاد الأول يؤكدون أن لا صلة لهم بأعمال الجماهير ، وفي الرابع والعشرين من مارس وجه الوزراء والأعيان وأعضاء الوفد – وأغلبهم من الأعيان – نداء إلى المصريين يحذرونهم من الآثار المترتبة على قطع خطوط السكك الحديدية ومهاجمة الممتلكات ، ويستحلفونهم بإسم مصلحة الوطن تجنب كل الاعتداءات حتى يستطيع الذين يخدمون الوطن بالطرق المشروعة المضي قدما في مساعيهم ، ومن الغريب أن العنف الذي مارسته القوات البريطانية ضد الجماهير لم يكن محل اهتمام مماثل من ( زعماء الأمة ) ، ولعله كان من البديهي أن تتبنى النخبة والزعامات الوطنية – سواء من أعضاء الوفد أو من خارجه – هذا النهج ، فمن جهة كان تعطل خطوط السكك الحديدية والاعتداء على الممتلكات يضر بالمصالح المباشرة لهؤلاء ، ومن جهة أخرى ، فإنه لم يكن مطروحا بالنسبة لهذه الزعامات أي برنامج للإصلاح الاجتماعي ، فهدف الاستقلال ، وما يرتبط به من انتهاء الهيمنة الاقتصادية للاحتلال ، كان سيترتب عليه إتاحة مزيد من الفرص للطبقات العليا من كبار الملاك والأقسام المختلفة والمتداخلة من الرأسمالية ، لذلك فلم يكن متصورا ولا مقبولا أن تكون الدعوة للاستقلال مرتبطة بحركة شعبية يكون من آثارها إيقاع أي أضرار بنمط الملكية السائد .

 

نهاية الثورة :

اضطرت إنجلترا الي عزل الحاكم البريطاني وافرج الإنجليز عن سعد زغلول وزملائه وعادوا من المنفي إلي مصر ، وسمحت إنجلترا للوفد المصري برئاسة سعد زغلول بالسفر إلي مؤتمر الصلح في باريس ، ليعرض عليه قضية استقلال مصر .

لم يستجب أعضاء مؤتمر الصلح بباريس لمطالب الوفد المصري فعاد المصريون إلي الثورة وازداد حماسهم ، وقاطع الشعب البضائع الإنجليزية ، فألقي الإنجليز القبض علي سعد زغلول مرة أخرى ، ونفوه مرة أخرى إلي جزيرة سيشل في المحيط الهندى ( سيلان حاليا ) ، فازدادت الثورة اشتعال ، وحاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة ، ولكنها فشلت .

عودة سعد زغلول من المنفى

 

 

نتائج الثورة :

اضطرت انجلترا بسبب اشتعال الثورة إعطاء مصر بعض حقوقها فكان :

اصدار تصريح 28 فبراير 1922 الذي نص على :

  • الغاء الحماية البريطانية عن مصر .

  • اعلان مصر دولة مستقلة .

  • صدور أول دستور مصري سنة 1923 .

  • تشكيل أول وزارة برئاسة سعد زغلول 1924 ( الذي افرج عن المسجونين السياسين ) ، ولكن لم تترك انجلترا مصر بعد هذا التصريح ولكن تمركزت عند قناة السويس ورحل اخر جندى انجليزى عن ارض مصر في عام 1956 .

 

 

 

عودة سعد زغلول من المنفى

 

 

عودة الى احداث هامة

استعراض صور من ثورة سنة 1919

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net